
تمهيد: في اقتصاديات المرض والشفاء
في السودان، حيث تتقاطع الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية، يتحول البعوض من مجرد حشرة مزعجة إلى عامل مفصل في معادلة التنمية. الأمراض التي ينقلها، ولا سيما الملاريا وحمى الضنك، ليست مجرد أزمات صحية، بل هي عوائق هيكلية تمنع الاقتصاد السوداني من الانطلاق.
تهدف هذه الورقة إلى رصد الأثر الاقتصادي الكامل لهذه الأمراض في سياق السودان الخاص.
1/ الواقع الوبائي في السودان: أرقام مفزعة
– الملاريا: تصيب أكثر من 2.5 مليون سوداني سنوياً (تقديرات وزارة الصحة 2023).
– حمى الضنك: انتشرت وبائياً في 12 ولاية سودانية، مع تسجيل 500,000 إصابة في 2023.
– الفئات الأكثر تضرراً: العمال الزراعيون، عمال البناء، البائعون بالأسواق الشعبية.
2/ حساب الوقت الضائع في الاقتصاد السوداني
لحساب دقيق، نأخذ بالاعتبار الخصائص السودانية:
أ. هيكل زمن المرض المعدل
الملاريا:
– فترة حادة: 14 يوماً (بسبب سوء التغذية وضعف المناعة).
– فترة نقاهة: 21 يوماً (بسبب محدودية الرعاية الصحية).
– الإجمالي: 14 + (21×0.6) = 26.6 يوم عمل ضائع.
حمى الضنك:
– فترة حادة: 10 أيام (تفاقم بسبب الحر الشديد).
– فترة إرهاق: 14 يوماً (بسبب عدم توفر الرعاية الكافية).
– الإجمالي: 10 + (14×0.4) = 15.6 يوم عمل ضائع.
3/ الخسائر المباشرة: من الأسر إلى الاقتصاد الكلي
أ. القوة العاملة النشطة
– العدد الإجمالي: 12 مليون سوداني (تقديرات 2024).
– الإصابات السنوية:
الملاريا: 2.5 مليون × 26.6 يوم = 66.5 مليون يوم عمل ضائع.
الضنك: 0.5 مليون × 15.6 يوم = 7.8 مليون يوم عمل ضائع.
المجموع: 74.3 مليون يوم عمل ضائع سنوياً.
ب. القيمة الاقتصادية لليوم الضائع:
– متوسط إنتاجية العامل السوداني: 5 دولارات/ يوم (بسبب انخفاض الأجور).
– الخسارة المباشرة: 74.3 مليون × 5 = 371.5 مليون دولار سنوياً.
4/ القطاعات الأكثر تضرراً: تفكيك الأثر
أ. القطاع الزراعي (35% من القوى العاملة):
– تأخر مواسم الزراعة والحصاد.
– خسارة 40% من إنتاجية العامل الزراعي خلال موسم الأمطار.
– تقدير الخسارة: 150 مليون دولار سنوياً.
ب. القطاع الخدمي (45% من القوى العاملة):
– غياب المعلمين، الموظفين، الباعة.
– انخفاض 35% في إنتاجية الخدمات الأساسية.
– تقدير الخسارة: 130 مليون دولار سنوياً.
ج. تكاليف العلاج المباشرة:
– متوسط تكلفة علاج الملاريا: 30 دولار.
– متوسط تكلفة علاج الضنك: 50 دولار.
– إجمالي تكاليف العلاج: (2.5 مليون × 30) + (0.5 مليون × 50) = 100 مليون دولار.
5/ الأثر التراكمي على الاقتصاد السوداني الهش:
أ. نسبة الخسائر إلى الناتج المحلي:
– الخسائر المباشرة السنوية: 371.5 مليون دولار.
– الناتج المحلي الإجمالي للسودان 2024: ≈ 32 مليار دولار (وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي).
– نسبة الخسائر إلى الناتج المحلي: 371.5 ÷ 32,000 × 100 = 1.16%.
ب. الأثر التراكمي على مدى 5 سنوات
– السنة الأولى: 371.5 مليون دولار. مع تفاقم الأزمة وافتراض زيادة سنوية 5%:
– السنة الثانية: 390.1 مليون دولار.
– السنة الثالثة: 409.6 مليون دولار.
– السنة الرابعة: 430.1 مليون دولار.
– السنة الخامسة: 451.6 مليون دولار.
– الإجمالي التراكمي: = 2.05 مليار دولار.
ملاحظة:
– نسبة الخسائر إلى الناتج المحلي السنوية: 1.16%.
– إجمالي الخسائر التراكمية على مدى 5 سنوات: = 2.05 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لتمويل خطة إنعاش اقتصادي متوسطة الأمد.
6/ حلول مالية ذكية لسياق سوداني خاص:
– الاستثمار في شبكات واقية: تكلفة 50 مليون دولار سنوياً.
– تعزيز الرعاية الصحية الأولية: 30 مليون دولار سنوياً.
– برامج توعية مجتمعية: 10 مليون دولار سنوياً.
– إجمالي الاستثمار المطلوب: 90 مليون دولار سنوياً.
– العائد المتوقع: توفير 371.5 مليون دولار خسائر + 100 مليون دولار تكاليف علاج.
– صافي التوفير السنوي: 381.5 مليون دولار.
خاتمة:
– معركة السودان مع البعوض هي معركة من أجل الاقتصاد
– البعوض في السودان ليس مجرد مشكلة صحية، بل هو عائق تنموي رئيسي.
– في بلد يعاني من هشاشة اقتصادية حادة، يمكن لتوفير 381.5 مليون دولار سنوياً أن يمثل:
– تمويل برنامج الضمان الاجتماعي لمليون أسرة فقيرة.
– بناء عدد من المدارس سنوياً.
– توفير الرعاية الصحية لمليوني مواطن تقريباً.
الخلاصة: الاستثمار في مكافحة أمراض البعوض ليس خياراً صحياً فحسب، بل هو ضرورة اقتصادية قصوى لأي خطة إنعاش اقتصادي في السودان.
Leave a Reply