الاشتراكية في الفكر البعثي

صحيفة الهدف

تمثّل الاشتراكية في فكر البعث المحور الرئيسي للتصور المجتمعي، وتعني التوزيع العادل للثروة، وتعطي المجتمعات الأكثر فقرًا الحق في الصحة والتعليم والعيش الحر الكريم، وتكون فيها الدول مسؤولة عن منع الاستغلال الطبقي، وتضمن الحق الطبيعي في الملكية. وهو تصور يؤسس للاشتراكية العربية التي تتماشى مع خصوصياتها القومية، وترتقي بالذات العربية نحو السمو والتعالي على الرغبة المادية المكبِّلة للإبداع الفكري والروحي. فهي بذلك ليست مجرد خيار اقتصادي، فالمجتمع العربي الموحّد الذي يناضل البعث من أجل بنائه هو مجتمع تضمحل فيه الطبقية المجحفة والاستغلال، ويوفر الرفاه المادي لكل المواطنين، كما أنها السبيل الوحيد لتأكيد الاستقلالية الحضارية للمجتمع العربي، وهي طريق التنمية الشاملة والحريات، كون النظام الاشتراكي في الملكية والتنمية وحده القادر على تجاوز مخلفات الاستعمار في العالم العربي.
إن السؤال البديهي الذي يمكن طرحه في هذا الإطار هو التراتبية التي تحكم المنطلقات الفكرية والمتمثلة في الوحدة والحرية والاشتراكية. فالمتعمق في هذه المفاهيم يلاحظ أنها مرتبطة فيما بينها ارتباطًا عضويًا، فلا يمكن فصل مفهوم عن الآخر لا نظريًا ولا تطبيقيًا. فالوحدة لا تتحقق دون حرية الأرض من الاحتلال الاستيطاني، وتحرير الإنسان العربي من القمع والتهميش ليكون حرًا في بلده ويساهم في بناء وطنه. كما أن الاشتراكية خطوة أساسية في سبيل تحقيق الوحدة العربية وضرورة تاريخية، مصيرية وحضارية، وخطوة استباقية لتحرير الموارد والإنسان العربي من الفقر والعوز والفاقة، واستئصال الجهل وتجاوز مخلفات الاستعمار، باعتبار أن العدالة الاجتماعية قاعدة الحرية ودرع للوحدة، وتتصل عضويًا وجدليًا بالوحدة والحرية، وهي صمام قوي يمنع تحوّل الأمة إلى قوة استغلال واضطهاد والسقوط في تبعية الغرب. وقد أشار فكر البعث إلى أن الحرية غير ممكنة في غياب العدالة الاجتماعية، وأن الاستغناء عن خيار الاشتراكية سيؤدي إلى تحويل الأمة العربية إلى قوة رأسمالية تعيد تكريس الاستعباد والاضطهاد، وتفتح السبل إلى مزيد من التبعية للغرب نظرًا لتفوقه الاقتصادي، فتبقى بذلك مجرد سوق لترويج بضاعة الغرب.
ولكي لا نقع في الالتباس المحتمل، كأن يُظَن بأن الاشتراكية في نظر البعث تكمن فقط في توزيع الثروة وإزالة الفوارق الطبقية بين أفراد المجتمع كتحدٍ اقتصادي يواجه الأمة، ومع أنه تحدٍ يحتل مكانة مقدَّرة في فكر البعث، إلا أن النضال الأكبر هو من أجل انبعاث الروح في المجتمع، لكي يعود العربي والأمة بمجموعها إلى الموقف الإيجابي الفاعل الإرادي السليم، موقف السيطرة على القدرة، ومعرفة الأمة لمبررات وجودها، ولغاية وجودها، والقدرة على تحقيق هذه الغاية. فالأوضاع الاقتصادية المتردية بمثابة المانع والحائل والمعيق لإدراك الأمة لذاتها ووعيها حقيقة رسالتها.
وبالتالي، فالوحدة والاشتراكية تعطيان لرسالة الأمة العربية قيمتها الخالدة في دفع الشعوب إلى التحرر والانعتاق. ثم إن الحرية دون نهج اشتراكي هي حرية بلا مضمون، فلا يمكن تحرير الإنسان وإطلاق طاقته الإبداعية دون توفر الظروف المادية الضرورية ليتفرغ الإنسان العربي إلى إبداعه.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.