قفة الملاح: قراءة تحليلية في أرقام الغلاء وتفاوت الأسعار بين المدن السودانية

صحيفة الهدف

مدخل عام: (القفة كمؤشر اقتصادي):
لم تعد (قفة الملاح) مجرد وعاء للطعام في الثقافة السودانية، بل تحولت في ظل الأزمات الاقتصادية إلى مؤشر حي لقياس مستوى المعيشة والأمن الغذائي. الأرقام التي رصدت أسعار السلع الأساسية في عدد من المدن تكشف عن فجوات هائلة بين المناطق، وعن أزمة مركبة تمس حياة المواطن اليومية مباشرة.
1. التفاوت الجغرافي: (أرقام تكشف عمق الأزمة)
البيانات توضح تفاوتًا صارخًا بين المدن السودانية في أسعار نفس السلع:
– الفحم: بلغ سعر الجوال في عطبرة نحو 95 ألف جنيه، بينما لا يتجاوز 25 ألف جنيه في كوستي، أما في غبيش سعره 15 ألف، أي أن السعر في مدينة واحدة يساوي قرابة 6 أضعاف ما هو عليه في مدينة أخرى.
– الغاز: وصل سعر الأسطوانة في الجنينة إلى 110 ألف جنيه، بينما بلغ 50 إلى 63 ألف جنيه في مدن أخرى مثل تندلتي وكوستي.
– اللحوم: تفاوت سعر الكيلو بين 10–14 ألف جنيه في غبيش، و25 إلى 30 ألفًا في كسلا، ليصل إلى 32 ألفًا في بورتسودان.
2. السلع الأكثر التهابًا في الأسعار:
– السكر: سلعة الفقراء، بلغ سعر الرطل في معظم المدن نحو 1,800 إلى 2,300 جنيه، لكن في كوستي وصل إلى 14 ألف جنيه، أي ما يعادل 8 أضعاف دخل يومي لعامل بسيط.
– الفحم: تفاوت بين 15 ألف جنيه في غبيش، و95 ألف جنيه في عطبرة، ما يجعله الأعلى تضخمًا نسبيًا بين السلع.
– اللحوم: الكيلو تراوح بين 12 ألف جنيه في الأبيض و30 إلى 32 ألفًا في كسلا وبورتسودان، مما يجعلها خارج متناول غالبية الأسر.
3. مقارنة تكلفة القفة بين المدن:
عند جمع متوسط أسعار أهم السلع (الشاي، الزيت، السكر، اللحوم، الفحم، الغاز)، تظهر صورة واضحة:
– في كوستي: يمكن لأسرة متوسطة أن تؤمّن القفة الأساسية بحوالي 80 ألف جنيه شهريًا.
– في كسلا: نفس القفة تحتاج ما يقارب 240 ألف جنيه، أي ثلاثة أضعاف كوستي.
– في عطبرة: مع وصول الفحم إلى 95 ألفًا واللحوم إلى 32 ألفًا، ترتفع التكلفة إلى مستويات أعلى من كسلا في بعض المكونات.
هذا الفارق يعني أن قدرة الأسرة على تأمين الغذاء تعتمد على مكان إقامتها، لا على حجم دخلها فقط.
4. تفصيل أسعار بعض السلع الأساسية في مدن سودانية مختارة:
– الجنينة: رطل السكر 1,800 جنيه، كيلو اللحم 12 ألف جنيه، الجوال فحم 20,000 جنيه، الغاز 110,000 جنيه.
– كسلا: رطل السكر 1,800 جنيه، كيلو اللحم 25 إلى 30 ألف جنيه، الجوال فحم 55,000 جنيه، الغاز 65,000 جنيه.
– كوستي: رطل السكر 14,000 جنيه، كيلو اللحم 12 إلى 24 ألف جنيه، الجوال فحم 2,500 جنيه، الغاز 63,000 جنيه.
– بورتسودان: رطل السكر 1,800 جنيه، كيلو اللحم 22 إلى 32 ألف جنيه، الجوال فحم 95,000 جنيه، الغاز 75,000 جنيه.
– غبيش: رطل السكر 2,300 جنيه، كيلو اللحم 10 إلى 14 ألف جنيه، الجوال فحم 15,000 جنيه، الغاز.
– الأبيض: رطل السكر 1,800 جنيه، كيلو اللحم 12 إلى 28 ألف جنيه، الجوال فحم 50,000 جنيه، الغاز 70,000 جنيه.
ملاحظات تحليلية:
– السكر: استثناء صارخ في كوستي (14 ألف للرطل) مقابل 1,800–2,300 في بقية المدن.
– الفحم: أعلى سعر في عطبرة (95 ألف) وأدنى في غبيش (15 ألف)، بفارق يقارب 6 أضعاف.
– اللحوم الضأن: الأغلى في عطبرة (34 ألف للكيلو) والأرخص في غبيش (14 ألف).
– اللحوم البقري: الأغلى في كسلا (25 ألف للكيلو) والأرخص في غبيش (10 آلاف).
– الغاز: الجنينة الأعلى (110 ألف) مقابل متوسط يتراوح بين 50 إلى 63 ألفًا في مدن تندلتي وكوستي.
5. انعكاسات على الأمن الغذائي:
– الأسر في مدن مثل كوستي أو غبيش قد تنجح في تلبية الحد الأدنى من احتياجاتها.
– بينما في كسلا وبورتسودان تتحول السلع الأساسية إلى سلع شبه فاخرة، مما يفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي.
– هذا الوضع يهدد الصحة العامة، ويزيد من احتمالات سوء التغذية، ويضع ضغوطًا إضافية على النسيج الاجتماعي، حيث يتزايد الشعور بعدم المساواة والحرمان.
6. القفة كجرس إنذار:
– تفاوت جغرافي حاد.
– تضخم غير متوازن يتركز في السلع الأكثر حيوية.
– تراجع خطير في قدرة الأسر على تلبية حاجاتها الغذائية.
إن (قفة الملاح) اليوم لم تعد رمزًا للكرم السوداني فحسب، بل أصبحت مؤشرًا يوميًا للأزمة الاقتصادية. وما لم تتحرك السياسات الحكومية لضبط الأسواق وتوزيع الموارد بعدالة، فإن هذه القفة ستبقى شاهدًا صامتًا على تآكل الأمن الغذائي وانهيار القدرة الشرائية للمواطن.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.