
لا تقتصر فرص السودان في تطوير قطاع الثروة السمكية على الاستفادة من الأنهار والبحيرات القائمة، بل تمتد أيضاً إلى استغلال المشاريع المائية الكبرى كالسدود والخزانات، إضافة إلى تجارب الاستزراع السمكي التي بدأت على استحياء ثم تعثرت بسبب غياب الرؤية والدعم.
الخزانات والسدود.. إنتاج طبيعي قليل التكلفة
أثبتت التجربة العملية أن السدود على الأنهار الموسمية يمكن أن تتحول إلى مصادر إنتاج سمكي طبيعي واسع النطاق. خزان ستيت على نهر عطبرة مثال واضح؛ فبعد إنشائه أصبحت المنطقة تنتج كميات معتبرة من أجود أنواع الأسماك دون الحاجة إلى تقنيات معقدة أو تكاليف عالية.
ويمكن تكرار هذا النموذج على أنهار مثل القاش، الرهد، أبو حبل، الدندر وغيرها. وتقوم الفكرة ببساطة على إطلاق صغار الأسماك في هذه المسطحات لتتكاثر طبيعياً وتتحول خلال سنوات قليلة إلى مناطق إنتاج واسعة. أهم ما يميز هذا النمط أنه:
– إنتاج طبيعي غير ملوث أو معالج.
– قليل التكلفة ولا يتطلب استثمارات ضخمة.
– متاح للجميع بعيداً عن الاحتكار.
– يحقق فوائد إضافية للسكان المحليين كتوفير مياه الشرب والري.
الاستزراع السمكي في السودان… تجربة متعثرة
رغم أن الاستزراع السمكي يُعد الخيار العالمي لتوفير إنتاج مستدام وعالي الجودة، فإن التجربة السودانية لا تزال محدودة. فقد أُنشئت مزارع صغيرة في ولايات مثل الخرطوم، الجزيرة، سنار والبحر الأحمر، لكن معظمها واجه تحديات حالت دون الاستمرارية، مثل:
– ارتفاع تكلفة الأعلاف المستوردة، مع أن نبات الأزولا المائي المتوفر بكثافة في السودان يمكن أن يمثل بديلاً محلياً غنياً ورخيصاً للعلف.
– غياب الدعم الفني والبحثي المتخصص.
– محدودية التمويل وضعف جدية الاستثمار.
– ضعف شبكات التسويق والتوزيع.
ومع ذلك، يبقى الاستزراع مجالاً واعداً إذا ما توافرت إرادة سياسية واستثمارات مدروسة، خاصة في ظل تنوع البيئات المائية بالسودان، وإمكانية إدخال تقنيات منخفضة التكلفة تناسب ظروفه الاقتصادية.
نحو استراتيجية متكاملة
بين الإنتاج الطبيعي عبر الخزانات والسدود، والاستزراع السمكي الحديث، يمكن للسودان أن يضاعف إنتاجه من الأسماك أضعافاً مضاعفة. والمطلوب هو استراتيجية متكاملة تشمل:
– دعم البحث العلمي وتدريب الكوادر.
– توفير الأعلاف محلياً لتقليل التكاليف.
– توفير الشباك والأقفاص الحديثة، وإنشاء أسواق نموذجية مزودة بالمبردات لضمان وصول الأسماك بجودة عالية للمستهلك.
– تشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذا المجال.
بهذا، تتحول الثروة السمكية من قطاع مهمّش إلى رافعة اقتصادية حقيقية، ومصدر للأمن الغذائي يخفف أعباء المعيشة، ويفتح للسودان آفاقاً واسعة للتصدير الإقليمي والعالمي، بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي.
Leave a Reply