
شرق إفريقيا: نمو رغم التحديات
في نيروبي، استيقظ سامويل على صوت المؤذن، والشمس تتسلل بين المباني لتضيء الشوارع المزدحمة. حمل حقيبته وخرج نحو جامعة تكنولوجيا المعلومات لحضور محاضرة عن الذكاء الاصطناعي. ناداه صديقه جوزيف من بعيد سائلاً: هل وصلت؟ فأجاب مبتسمًا: نعم، في الطريق. اليوم، كان من المقرر مناقشة المشاريع الرقمية التي قد تغيّر سوق العمل.
يظهر الاقتصاد الكيني علامات نمو متزايد، مع ازدهار المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجالات التكنولوجيا والخدمات، ما يفتح فرصًا حقيقية للشباب للاستثمار في المستقبل الرقمي، والطاقة الشمسية، والزراعة الرقمية، والتقنيات المالية (FinTech) بلغت نسبة النمو في كينيا 5.4% خلال عام 2024، فيما بلغت نسبة البطالة 9.3% والتضخم السنوي حوالي 6.5%، مع استثمارات أجنبية مباشرة بلغت 1.8 مليار دولار في 2023.
السودان: اقتصاد يترنح تحت عبء الحرب
على بعد آلاف الكيلومترات، في الخرطوم، جلس مصطفى أمام بقايا جامعة أغلقتها الحرب، باحثًا في هاتفه عن فرص عمل خارج السودان. تجاوز الدين العام 344% من الناتج المحلي، وقد دمرت الحرب البنية التحتية، فيما غالبًا ما تذهب عائدات الذهب والمعادن إلى المستثمرين الأجانب، في حين يعاني السكان من تضخم بلغ 209%، ونقص الغذاء، وانقطاع الكهرباء المستمر. يرى الاقتصادي كارلوس لوبيز أن الاستثمار في الزراعة الحديثة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وإصلاح التعليم، قد يمهد الطريق للنهوض بالاقتصاد، شريطة تحقيق الاستقرار السياسي والدعم الداخلي، مع أن الناتج المحلي الإجمالي للسودان بلغ حوالي 30 مليار دولار في 2024، ومعدل البطالة حوالي 22%، فيما ارتفع التضخم الغذائي إلى 245%.
غرب إفريقيا: ثروات طبيعية واستثمارات متنافسة
في غرب إفريقيا، تتابع أميناتا الأخبار الاقتصادية في أبيدجان، متابعة أسعار الذهب والبوكسيت والمنغنيز، فالغرب غني بالمعادن الحيوية للطاقة النظيفة، إلا أن هذه الثروات غير مستغلة بالكامل، ما يجعل المنطقة هدفًا للاستثمارات الأجنبية. تراقب الصين بناء سكك حديدية وموانئ، فيما تقدم روسيا دعماً عسكريًا مقابل عقود التعدين. تمتلك غينيا أكبر احتياطيات البوكسيت في العالم بكمية تصل إلى 7.4 مليار طن، وتأتي غانا في المرتبة الثانية بإنتاج سنوي يبلغ 20 مليون طن، بينما تحتوي الغابون وساحل العاج على رواسب ضخمة من المنغنيز تزيد عن 150 مليون طن. ترى أميناتا أن تنويع الاستثمارات نحو الصناعات التحويلية والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، وبناء نظام مالي داخلي قوي، يمكن أن يحوّل هذه الثروات إلى فوائد اقتصادية للشعوب المحلية. معدل النمو في غانا بلغ 5.2%، وفي كوت ديفوار 6%، بينما سجلت غينيا 4.8%.
الموارد الجديدة: الغاز والنفط كأمل اقتصادي
في النيجر، يراقب الحسن عملية استخراج الغاز الطبيعي، معتبرًا المشاريع الجديدة فرصة حقيقية للعمل وتحسين الاقتصاد المحلي. سجلت إثيوبيا وبنين ورواندا نموًا سنويًا يزيد على 6%، فيما تستفيد النيجر والسنغال من اكتشافات النفط والغاز وتحديث البنية التحتية. يتوقع البنك الإفريقي للتنمية معدلات نمو تصل إلى 7% لبعض الدول، بينما يقدر البنك الدولي نمو إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 4.3% بحلول عام 2027. يبلغ احتياطي النيجر من الغاز الطبيعي حوالي 200 مليار متر مكعب، فيما يبلغ إنتاج النفط السنوي للسنغال حوالي 50 ألف برميل يوميًا.
السلام والأمن: أساس التنمية
تتعدد فرص النهوض في القارة الإفريقية، منها الاستثمار في الزراعة المستدامة والطاقة المتجددة، وتعزيز التعليم والتدريب المهني في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والرقمنة والتحول الرقمي لتعزيز الشمول المالي وريادة الأعمال، وبناء نظام مالي داخلي قوي لتوفير التمويل محليًا، وتمكين الشباب والمرأة في الاقتصاد وصنع القرار، وضمان السلام والاستقرار كأساس للنمو. كما يشدد الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش على أن “لا تنمية دون سلام”، وأن “الديون لا يجب أن تُغرِق التنمية”.
الديون والأزمات الاقتصادية
على الجانب الآخر، تواجه دول مثل السودان وإريتريا والسنغال وموزمبيق وكابو فيردي أعباء ديون ضخمة، مع صراعات مسلحة تؤثر على البنية التحتية والإنتاج المحلي، بما أدى إلى خسائر تجاوزت 8.5 مليار دولار. وفي السودان فقط تجاوز الدين العام 344% من الناتج المحلي، فيما بلغ الدين الخارجي لموزمبيق 124%، والرأس الأخضر 130%، والسنغال 61%. ورغم هذه التحديات، تظل فرص النهوض ممكنة عبر إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية، وإصلاح المؤسسات الحكومية لتحسين الحوكمة، وتنمية الزراعة والصناعات الصغيرة، وبناء شراكات دولية مدروسة دون استغلال الموارد، وتعزيز التمويل الداخلي، مع اعتبار السلام والاستقرار أساسًا لجذب الاستثمار.
الأزمات المناخية والبطالة
تؤثر الأزمات الاجتماعية، البطالة، الاحتجاجات، الكوارث المناخية والجفاف على أكثر من 110 ملايين شخص في إفريقيا، بخسائر تجاوزت 8.5 مليارات دولار، وحتى في جنوب إفريقيا، أكبر اقتصاد في القارة، تؤكد الاحتجاجات أن السلام النسبي وحده لا يكفي لضمان النمو، حيث بلغ معدل البطالة 32% والتضخم السنوي 7.1%.
العائد الديموغرافي: فرصة التحول
تتمتع إفريقيا بعائد ديموغرافي كبير، فهي تضم نحو 1.5 مليار نسمة، وثلثهم سيكون ضمن القوى العاملة خلال ثلاثينيات القرن الحالي. ومع ذلك، فإن ضعف الإنتاجية والفساد وسوء إدارة البنية التحتية يهدد تحويل هذه الطاقات إلى فرص اقتصادية حقيقية. وتشمل فرص النهوض التعليم النوعي والتدريب المهني في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وتمكين المرأة والشباب في ريادة الأعمال وصنع القرار، وتنمية المدن الذكية والمجتمعات المستدامة، وتعزيز المبادرات القارية مثل منطقة التجارة الحرة، إضافةً إلى ضمان السلام والاستقرار كأساس لجذب الاستثمار، عبر إسكات البنادق وإنهاء العنف وتعزيز التماسك الاجتماعي.
نحو مستقبل مزدهر
مع غروب الشمس في نيروبي، الخرطوم وأبيدجان، يدرك محمود، مصطفى وأميناتا أن إفريقيا تقف بين تحديات الحرب، والديون، والسياسات الدولية، وفرص الاستثمار والنمو المستدام. يشدد كارلوس لوبيز على أهمية بناء نظام مالي داخلي قوي للاستثمار المحلي، بينما يؤكد غوتيريش أن لا تنمية دون سلام، وأن ثروات إفريقيا يجب أن تعود أولًا لشعوبها. وتظل المعادن النفيسة في غرب إفريقيا، والطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والزراعة المستدامة، فرصًا غير مستغلة إذا رافقها السلام والاستقرار. الشباب هم بناة المستقبل، وتمكينهم مع المرأة في القيادة وصنع القرار يمكن أن يحول العائد الديموغرافي الكبير إلى قوة اقتصادية حقيقية. كل خطوة نحو التعليم، والسلام، والاستثمار الذكي، وتمكين الشباب والمرأة، هي خطوة نحو تحول حقيقي وإفريقيا مزدهرة ومستدامة، إذا توفرت الإرادة السياسية والحكمة الاقتصادية.
Leave a Reply