السودان بين رهانات الخارج وإرادة الداخل هل تستعيد القوى المدنية بوصلتها الوطنية؟


✍️امجد السيد

منذ اندلاع الحرب الأخيرة في السودان وانهيار ما تبقى من مؤسسات الدولة ظل المشهد السياسي والاجتماعي رهينا لإرادة الخارج تتقاذفه مصالح القوى الإقليمية والدولية بينما يدفع الشعب السوداني وحده الثمن الباهظ من دمائه وقوته وصحته وأحلامه في وطن آمن وديمقراطي.

المفارقة الموجعة أن القوى التي تتصدر المشهد سواء تلك الممسكة بالسلطة أو الطامحة للوصول إليها باتت أسيرة للبحث عن حلول أو دعم خارجي متجاهلة أن مفتاح الأزمة وأساس الحل بيد السودانيين أنفسهم وبأن هذا الوطن لن يبنيه أو ينقذه سوى إرادة أبنائه الأحرار.

القوى المسيطرة على السلطة تستمد قوتها من الدعم الخارجي ساعية إلى إطالة أمد بقائها ولو على حساب تفكيك الدولة وتمزيق البلاد ونهب مواردها أمابعض  القوى المدنية والسياسية التي كان يُنتظر منها أن تمثل البديل الوطني الديمقراطي فقد انزلقت هي الأخرى إلى حلبة المفاوضات والضغوط الإقليمية والدولية مراهنة على الخارج بدلا من الاعتماد على قوة الشارع ووحدة السودانيين وهي بذلك تفقد أهم عناصر شرعيتها إرادة الشعب الذي منحها تفويض الثورة.

لقد قدم الشعب السوداني خلال ثورة ديسمبر المجيدة ملحمة من الصمود والتضحيات ارتقى فيها رتل من الشهداء وواجه الرصاص والسجون والقهر إيمانا منه بأن الحرية والسلام والعدالة ليست منحة من حاكم أو وصاية من الخارج بل حق يُنتزع بإرادته الحرة فكيف تقبل القوى المدنية اليوم أن تعيد ذات الأخطاء القديمة وأن ترهن مستقبل البلاد لأجندات لا ترى في السودان سوى ساحة نفوذ ومصالح؟

إن المسؤولية التاريخية تحتم على هذه القوى أن تعيد ترتيب صفوفها وتوحيد كلمتها بعيدا عن الاصطفافات الضيقة والتبعيات الخارجية وأن تصنع مشروعا وطنيا خالص ينطلق من وجع الناس ومعاناتهم ويستند إلى شرعية الثورة وقوة الشارع فالحل السوداني لن يكون واقعا ما لم تُستعاد الثقة بين القوى المدنية والجماهير وما لم يتحول الدعم الشعبي إلى السند الحقيقي لأي عملية سياسية توقف الحرب وتعيد بناء الدولة على أسس ديمقراطية عادلة.

إن الطريق إلى الخلاص يبدأ من الداخل من إعادة الاعتبار لصوت المواطن السوداني الذي حُجب في زحمة البنادق والصفقات من وحدة وطنية حقيقية تضع مصلحة الشعب فوق مصالح الأفراد والأحزاب ومن استنهاض الوعي الجمعي بأن السودان لن يكون ألعوبة بيد الخارج إذا استعاد أهله قرارهم وفرضوا إرادتهم الحرة على الجميع.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.