صديق تاور.صوت السودان المنسي في معركة إنقاذ اللاجئين

✍️ امجد السيد

في عاصمة الضجيج العربي والصمت الرسمي، يتقدّم البروفيسور صديق تاور كافي، عضو مجلس السيادة الانتقالي الشرعي والمقيم حاليًا في القاهرة، بمشروع أخلاقي وإنساني يعيد فيه لقضية اللاجئين السودانيين بعضًا من حضورها الغائب، ولبُعدها الوطني مكانته الحقيقية.

خلال لقائه بنائب رئيس جامعة الأزهر والمشرف على الدراسات العليا والمستشفيات، طرح تاور رؤية متكاملة حول أهداف المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين التي يرأس مجلس أمنائها، مستشرفًا آفاق التعاون مع واحدة من أعرق مؤسسات التعليم والاعتدال في العالم الإسلامي.

لم يكن تاور يومًا مسؤولًا عابرًا في مشهد سياسي متقلب، بل كان صوتًا وطنيًا في مجلس السيادة الانتقالي، اختار أن يظل وفيًا لمبادئ الثورة والانتقال الديمقراطي حتى بعد الانقلاب. اليوم، وهو يعيش في المنفى القسري بالقاهرة، لم يتخلَّ عن مسؤوليته المعنوية تجاه أبناء بلده، بل انخرط في معركة من نوع مختلف: إنقاذ السودانيين من جحيم اللجوء والتشرد.

يطرح تاور قضية اللاجئين السودانيين من زاوية إنسانية وشاملة، لا تختزلها الإغاثة وحدها، بل تتعدى إلى التعليم، والرعاية الصحية، والدعم النفسي، والتأهيل المجتمعي، معتمدًا على منهج مدني وعقلاني، لا يعتمد العاطفة المجردة ولا الصراخ الخطابي.

في لقائه بالأزهر، لم يكن الحوار مجرد واجب دبلوماسي، بل خطوة حقيقية نحو بناء شراكات جديدة، تُخرج قضية اللاجئين السودانيين من زوايا التهميش إلى فضاء الفعل المؤسسي. فالأزهر بما يملك من موارد تعليمية وصحية، يمكن أن يكون جسرًا عمليًا لدعم الأسر السودانية التي أُجبرت على الهرب من جحيم الحرب.

المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين التي يقودها تاور تُراكم عملًا نوعيًا هادئًا، وتطرح نفسها كمنصة جامعة لكل من يرى في الإنسان قيمة لا تسقطها السياسة، وتُبشّر بمسار جديد يُلزم النخب الوطنية بالخروج من قاعات التنظير إلى فضاءات العمل الحقيقي.

وُلد صديق تاور كافي بمدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان عام 1959، وهو أكاديمي مرموق حاصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة الخرطوم، وعمل في جامعات سودانية وسعودية، من بينها جامعة النيلين. يُعد عضوًا في معهد الفيزياء الدولي ببريطانيا وزميلًا في مجموعة الفيزياء البيولوجية بجامعة لايدن الهولندية، وله إسهامات علمية رفيعة في مجالات الطاقة، البيئة، والتعليم العالي.

تاور لم يقف عند حدود التخصص الأكاديمي، بل خاض بوعي وإخلاص مجالات حقوق الإنسان، قضايا النزاع والسلام، أثر التعدين على المجتمعات، وحقوق البيئة، وكتب عشرات المقالات والدراسات التي نُشرت في صحف محلية وعالمية، منها:

«الواقع والوقائع وتأثير التعدين على البيئات المحلية»،

و*«حقوق المجتمعات المستضيفة للنشاط التعديني»*.

انتمى منذ شبابه إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان عضوًا في قيادته القطرية، وواجه حملات تشويه بسبب هذا الانتماء، لكنه ظل وفيًا لمبادئ الوحدة الوطنية والتعدد الثقافي، مدافعًا عن السلام في كردفان، وقضايا الهامش، ومؤمنًا بأن السودان لا يبنى إلا بالتعايش والعدالة.

في زمن تراجعت فيه القضايا العادلة أمام ضجيج السلاح، وتوارى كثير من السياسيين خلف الظلال، يواصل صديق تاور أداء رسالته من منفاه، مؤمنًا بأن السلطة الحقيقية هي تلك التي تُمارَس من أجل الشعب، لا على حسابه.

إنه نموذج للمثقف الملتزم، والسياسي الأخلاقي، والعالِم الذي وضع علمه في خدمة الناس، فاستحق أن يكون رمزًا صادقًا لوطن جريح.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.