
بقلم: حاجة فضل كرنديس
#آراء_حرة
يواجه السودان اليوم أخطر تحدٍ يهدد وحدته الوطنية وأمنه السياسي، وهو ظاهرة تشظي السلطة وتعدد الحكومات بشكل يقوض أسس الدولة ويهدد نسيجها الاجتماعي. ففي سابقة خطيرة، أعلنت قوات الدعم السريع (بقيادة حميدتي) عن تشكيل حكومة موازية في نيالا، تضمنت مجلس حكم وولاة أقاليم ورئيس وزراء ورئيسًا للمجلس التشريعي، في خطوة لإنشاء سلطة موازية لسلطة بورتسودان التي يقودها البرهان، وتُعرف بحكومة الأمر الواقع. هذا التنافس والانقسام غير المسبوق يعكس حالة من الفوضى السياسية، ويدفع البلاد نحو مسار من الانهيار والتفكك، ويهدد كيان السودان كدولة موحدة ذات سيادة.
إن وجود حكومتين أو أكثر تتصارعان على السلطة يعمق من حالة الانقسام الداخلي، ويشعل نيران الفتنة والانقسامات العرقية والجغرافية، وهو ما يهدد بمزيد من التدهور الأمني والسياسي، ويفقد البلاد قدرتها على الحفاظ على وحدتها الوطنية. إذا استمرت هذه الحالة، فإن احتمالات الانهيار الشامل والتفكك الجغرافي ستصبح واقعًا مرعبًا يهدد مستقبل الأجيال، وأمن المنطقة بأكملها.
الأزمة الحالية: خطر يهدد وجود السودان
هذه الأزمة ليست مجرد خلافات سياسية عابرة، بل هي خطر داهم يهدد وجود السودان كدولة موحدة، ويفتح الباب أمام سيناريوهات كارثية، منها تقسيم البلاد، أو الدخول في دوامة من الصراعات المسلحة المستمرة، التي ستضاعف معاناة الشعب وتقوض أي فرصة لتحقيق الاستقرار والتنمية. لذا، فإن الخطر الذي يفرضه هذا التشرذم يتطلب من الجميع، من قوى سياسية ومؤسسات وشعب، أن يقفوا صفًا واحدًا للتصدي لهذا التهديد، والعمل على وحدة السودان، وإعادة توحيد جهوده نحو مستقبل قائم على السلام والديمقراطية.
وفي ظل هذا المشهد المأساوي، يصبح من الضروري أن نعي أن استمرار هذا الانقسام هو بمثابة انهيار تدريجي لن يترك من السودان إلا رمادًا. الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو العودة إلى روح الثورة، وإعادة ترتيب البيت السوداني على أسس الوحدة الوطنية، والتمسك بمبادئ الديمقراطية التي تمثل الطريق الأوحد لتحقيق استقرار دائم يضمن حياة كريمة لكل مواطن سوداني.
ثورة ديسمبر المجيدة: أمل لم يكتمل
في ظل هذا الصراع المأزوم على السلطة، يعيش الشعب السوداني في ظروف استثنائية تتسم بالتحديات والصراعات التي تؤثر على حياته اليومية ومستقبله. فبعد سنوات طويلة من النضال من أجل الحرية والعدالة، شهد السودان ثورة ديسمبر المجيدة في عام 2018، التي كانت بمثابة نقطة تحول تاريخية، حيث أطلقت شرارة الأمل في مستقبل أفضل يعمه السلام والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
اختلطت مشاعر السودانيين في ديسمبر 2018 حين خرجوا بملايينهم إلى الشوارع مطالبين بالحرية والعدالة والسلام. كانت ثورة ديسمبر مجيدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنها كانت تعبيرًا عن إرادة شعب عاهد نفسه على التغيير، ورفض الظلم والاستبداد، وأصر على بناء دولة تقوم على أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان. كانت تلك الثورة تجسيدًا لروح النضال السوداني، وتأكيدًا على أن الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطة، وأن التغيير الحقيقي لا يتحقق إلا عبر إرادته الحرة.
لقد كانت ثورة ديسمبر بمثابة نقطة تحول، ودعت إلى إزاحة نظام الحكم السابق الذي حكم البلاد لسنوات طويلة، وافتقد للشرعية الشعبية، وأغرق السودان في الفساد والاستبداد. خرج الشعب السوداني، من مختلف الأعمار والأعراق والخلفيات، مطالبًا بالتغيير الجذري، وبناء دولة المؤسسات، وتحقيق السلام، والاستجابة لتطلعاته في حياة كريمة.
العودة لمسار الديمقراطية: الخيار الوحيد للخروج من الأزمة
بعد سقوط النظام السابق، كانت هناك آمال كبيرة في أن تتوج الثورة بتحقيق الديمقراطية وبناء دولة القانون والمؤسسات. ومع ذلك، فإن الواقع الحالي يبعث على القلق، حيث تعاني البلاد من حالة من الانقسامات والصراعات التي تهدد استقرارها ووحدتها. إن وجود “حكومتين” تتصارعان على السلطة، أحدهما حكومة انتقالية والأخرى حكومة أمر واقع، يمثل تهديدًا حقيقيًا لوحدة الوطن وسيادته، ويعكس فشل المرحلة الانتقالية في تحقيق الأهداف المنشودة.
إن العودة لمسار الديمقراطية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وتحقيق حكم القانون، هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يعيد للأمة استقرارها، ويعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته. الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل هي فلسفة حياة تضمن مشاركة جميع فئات المجتمع في صنع القرار، وتحمي حقوق الأقليات، وتوفر بيئة تضمن العدالة والمساواة.
إعادة بناء المؤسسات الديمقراطية، وإفساح المجال للانتخابات الحرة والنزيهة، وتعزيز دور المجتمع المدني، وتوفير الحماية لحقوق الإنسان، كلها خطوات ضرورية لتمكين السودان من تجاوز أزمته الراهنة. كما أن استعادة الثقة في النظام السياسي، والابتعاد عن المحاصصة والانقسامات، هو ما سيضمن استقرار البلاد، ويضع حدًا للأزمات المتكررة.
إيقاف الحرب: المفتاح الأساسي لتحقيق السلام والتنمية
لا يمكن الحديث عن الاستقرار والتنمية في السودان في ظل استمرار الحرب والصراعات المسلحة، التي أودت بحياة الآلاف، وأدت إلى نزوح الملايين، وتدمير البنى التحتية، وتفشي الفقر والجوع، وانعدام الخدمات الأساسية. الحرب ليست فقط نزاعًا عسكريًا، بل هي كارثة إنسانية تفتك بحياة المواطنين، وتزيد من معاناة الأطفال والنساء، وتدمر مستقبل الأجيال القادمة.
إن إيقاف الحرب هو أولوية قصوى، لأنه يمثل المدخل الحقيقي لتحقيق السلام الدائم والاستقرار، وهو الشرط الأساسي لبدء عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن لأي شعب أن ينهض ويحقق تقدمًا في ظل نزاعات مسلحة مستمرة، أوضاع أمنية غير مستقرة، وتدمير للبنى التحتية.
نحن نؤمن بأن الحلول السياسية والدبلوماسية هي السبيل الوحيد لإنهاء النزاعات، وأن المجتمع الدولي والإقليم والأطراف المعنية، يجب أن تتوحد لدعم جهود السلام، والعمل على تنفيذ الاتفاقات التي تضع حدًا للأعمال العدائية، وتضمن مشاركة جميع الأطراف في عملية السلام.
معاناة الشعب السوداني: الفقر، المرض، والجوع كابوس يومي
عندما نتحدث عن السودان، لا يمكن أن نتجاهل معاناة شعبه، الذي يعيش بشكل يومي من الفقر المدقع، والمرض، والجوع، مع انعدام أبسط مقومات الحياة الكريمة. يعيش ملايين السكان في ظروف مأساوية، حيث تفتقر المستشفيات إلى الأدوية، والكهرباء، والمياه النظيفة، والمواد الغذائية الأساسية.
الأطفال يتضورون جوعًا، والنساء يعانين من نقص الرعاية الصحية، وكبار السن يواجهون الموت من دون أدنى رعاية. الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، والبطالة المتفشية، وغياب فرص العمل، تترك العديد من الأسر في حالة من اليأس، وتدفعهم للبحث عن ملاذات آمنة، سواء داخل البلاد أو عبر الحدود، كلاجئين ومهجرين.
هذه المعاناة تتطلب استجابة عاجلة من المجتمع الدولي، والعمل على توفير المساعدات الإنسانية، وإعادة تأهيل النظام الصحي، وتوفير فرص العمل، وتحسين الخدمات الأساسية. ولكن، الأهم من ذلك، هو العمل على إيقاف الحرب، لأنها السبب الأول في تدمير حياة الناس ومستقبل البلاد.
ضرورة الوحدة الوطنية والتضامن
في ظل هذه الظروف الصعبة، يحثنا التاريخ والطبيعة الإنسانية على الوحدة والتضامن. الشعب السوداني، الذي عانى طويلًا من الانقسامات والصراعات، مدعو اليوم إلى توحيد صفوفه، والعمل على نبذ الخلافات، والابتعاد عن الانقسامات التي تفرضها “الحكومتان”، والتي تزيد من معاناة الوطن والمواطن.
إن الوحدة ليست شعارًا فقط، بل هي ضرورة ملحة لضمان تجاوز الأزمة الراهنة، وبناء مستقبل يعلي من قيمة السلام والتنمية والعدالة. علينا أن نتذكر أن السودان واحد، وأن مصالحه فوق كل اعتبار، وأن وحدتنا هي الضمان الحقيقي لمستقبل أجيالنا.
الدور الإقليمي والدولي: دعم السلام والتنمية
المجتمع الإقليمي والدولي يلعب دورًا حاسمًا في دعم السودان للخروج من أزمته. على المجتمع الدولي أن يرفض الاعتراف بأي سلطتين غير شرعيتين، وأن يدعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار، ويضغط من أجل وقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف.
كما أن الدعم الإنساني ضروري لمساعدة الشعب السوداني على تجاوز محنته، من خلال تقديم المساعدات العاجلة، وتعزيز برامج التنمية، ودعم الإصلاحات الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة.
خاتمة: مستقبل السودان بين أيدي أبنائه
ختامًا، فإن السودان يمر بمرحلة حاسمة، تتطلب من أبنائه وأصدقائه وأشقائه، في الداخل والخارج، العمل المشترك من أجل استعادة مسار الديمقراطية، ووقف الحرب، وتحقيق السلام والتنمية. إن ثورة ديسمبر المجيدة كانت بداية لرحلة طويلة من النضال من أجل الحرية والعدالة، وهي اليوم تظل مصدر الأمل والإلهام، لأنها أثبتت أن إرادة الشعب أقوى من كل الصعاب.
لسنا بحاجة إلى حكومتين؛ الشعب يحتاج إلى أن يعيش أولًا بتوفير ضروريات الحياة، وهذا ما لا يدركه من هم في بورتسودان ولا من يسعون لتأسيس سلطة موازية.
إن العودة إلى مسار الديمقراطية، وإيقاف الحرب، وإعادة بناء المؤسسات، وتوفير الحياة الكريمة للمواطنين، هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في السودان. شعبنا العظيم يستحق حياة كريمة ومستقبلًا مشرقًا، يليق بتاريخ أجداده، ويضمن لأجياله القادمة حقوقها في العيش بكرامة وحرية.
Leave a Reply