سدّ أربعات… هناك حيث توقفت الأنفاس

بقلم: إيمان بريمة

#ملف_المرأة_والمجتمع

استيقظتُ بعد عناء. أريد أن أنام قليلًا، مرهق، متعب، الأرض تدور، ورأسي يدور معها.
أغمض جفنيّ وأفتحهما، كوميض الضوء المنبعث من فلاش كاميرا، ثم أحدّق بالسماء الصافية، خالية السحب، إلا من بضع نجيمات تضيء بخفوت.

يجب أن أنهض وأتوضأ بسرعة حتى أخرج مع أبي للصلاة. سيوبخني إن تأخرت.
لماذا الفراش صلب ورطب؟ هل بلّلته أنا؟
بالفعل أنا أكبر من أن أبلّل فراشي… أو ربما هو أخي، يريد الانتقام مني.

أريد أن أنام، لكنني أشعر بالبرد والرطوبة. مرهق بشدة، هل هذا بسبب لعبي كرة القدم البارحة؟
لكني وعدتهم بالفوز، فالهزيمة مؤلمة للغاية.

أيّ يوم غريب هذا؟ هل هو الخميس أم الجمعة؟
أين يكن، فإني لا أستطيع تذكّر أي شيء من البارحة…
بيد أنني أذكر فوزنا. وعند عودتي للمنزل، طلبت من أمي أن تطهو لي اليقطين.
كنت أرقبها من خلف الشباك، وهي تبكي بينما تقطع اليقطين… لا البصل!

ومضات فقط من شجار أمي مع عوض، بائع الخضروات. يشير إلى يقطينة بأنها جيدة، وتهز أمي رأسها نافية بأنها فخّة، ويرد بالنفي، وفي النهاية يزهد السعر، وتنظر أمي إلى اليقطينة وإلى السعر الذي تريده.

أغمض عيناي مرة أخرى، وأرى التوأمين في صراع عنيف، وأنا أحاول التفريق بينهما حتى لا ينتهي الأمر بملابس ممزقة وخصل شعر ملتفّة في الأصابع وبكاء وعويل.
يا الله…
أفتح عينيّ وأحدق في السماء مرة أخرى.

لقد فرّقتُ بينهما. أنا أخ جيد. لا، بل أنا رجل البيت!
أحاول رسم ابتسامة، لكن خدي يؤلمني كالحريق.
ما هذا؟ هل لسعني شيء ما؟ يجب أن أنهض. يجب أن أوقظ أخي. أنا متأكد من أنه نائم أيضًا.
وعند عودتنا من المسجد مع أبي، يجب أن نشرب الشاي الذي أعدّته أمي… الشاي بالحليب.

يجب أن أستحم، وأرتدي ملابسي، وأوصل التوأم إلى مدرسة الفتيات الابتدائية.

يجب أن أنهض…
لا أعرف كيف وصلت إلى الحوش… الفناء.
أنا لا أحب أن أنام بالخارج.
حرّكتُ أصابع قدمي، لكن شيئًا مزعجًا يحتل المساحة ما بين أصابعي.
رفعت رأسي لأنظر، ويا إلهي…
كان الإحساس كالدُمية التي خُلع رأسها… والآن علمتُ لماذا الفراش صلب.
كنت مستلقيًا على الأرض الرطبة، والطين محشور بين أصابعي.

أنا لا أذكر شيئًا… لماذا؟
أنا أحاول، والدموع تتجمع في عيني، وأشعر بمرارة في حلقي.

يمر أمامي شريط مهترئ من الذكريات.
أُرهف السمع لصوت المياه القادمة من بعيد.
خرج أبي وهرع إلى الشارع ليعلم ما الذي يحدث.
إجابات، بأن السد قد انهار، ويجب الإخلاء بسرعة.

همهمة، ركض، أبواب تُفتح وأخرى تُغلق، خرير المياه يقترب، حفيف الثياب على أجساد النساء.
أبي يصرخ: “اخرجوا!”
أمسكتُ بيد أمي، وساعدتها على الخروج بعد التوأم.
الرذاذ يلامس وجهي، ملابسي، أيدينا المعقودة… ثم يغمرني بأكمله.

فجأة، أتت المياه.
جرفت كل شيء.
حطّمت الجدران.
دفعت السيارات والشاحنات.
أكاد أجزم أن شاحنة عوض هي من حطمت جسد أمي.

جاهدتُ المياه بكل ما استطعت، ومع كل خبطة أجد نفسي في نقطة مختلفة.
سُحبتُ لأسفل، ولُطمتُ بساعدي، ابتلعتُ بعض المياه، وشعرت بشيء غليظ يخدش خدي.
تألمت بشدة… ولا أدري ماذا حدث بعدها.
ربما لفظتني المياه.

أمي… أبي… أخي… أختي…
أين نحن؟ أين أنتم؟

سمعتُ بضع خطوات، وهمهمات حديث يجري بين شخصين:

— لا حول ولا قوة إلا بالله…
— لم ينجُ أحد.

صحتُ لهم، ورفعتُ يدي المتعبة من التجديف، صحتُ بوهن… لكن صوتي مسموع.

— هنا! أنا هنا!

لم يستجب أحد.
أنا حيّ… لا أزال أسمعهم بأذني.

— اذهب إلى هناك فقط، سترتفع المياه عمّا قريب، ويجب أن نصعد إلى الجبل.
— حسنًا.

خطوات أقدام حافية على الأرض العارية تقترب مني.
انحنى عليّ رجل أسمر وهزّني، ثم ناداني، فأجبته بأنني متعب.
ناداني مرة أخرى، ثم وضع سبابته أسفل أنفي.
بعدها انحنى، ووضع رأسه على صدري.

لماذا يتفقد نبضي وأنا أتحدث معه؟
رفع رأسه الحليق باتجاه صديقه وقال:

— المسكين… ولد صغير.
— لا حول ولا قوة إلا بالله. لقد استُشهد قبل وقت قصير، لا يزال جسده دافئًا بعض الشيء.

لا يزالوا هناك.
لا يزالوا دافئين…
في الذكريات، وفي قلوب أحبّتهم.

سدّ أربعات.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.