
الهدف-تقارير
الخرطوم – الهدف
أثار قرار والي ولاية الخرطوم في حكومة الأمر الواقع أحمد عثمان، بإعفاء مدير هيئة مياه الولاية محمد علي العجب وتعيين محمد أحمد عوض خلفاً له، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والناشطين المدنيين، لا سيما أن المدير الجديد سبق أن أُنهيت خدماته بواسطة لجنة إزالة التمكين في وقت سابق، ضمن ملفات تتعلق بالانتماء السياسي وتمكين رموز النظام السابق داخل المؤسسات العامة.
هذا القرار ليس استثناءً، بل يندرج ضمن سلسلة تعيينات متكررة شهدتها عدد من المؤسسات في الخرطوم وولايات أخرى بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، حيث أعيد الكثير من المفصولين بسبب ارتباطاتهم بالحركة الإسلامية السياسية إلى مواقع قيادية، في ما اعتبره مراقبون “عودة ناعمة للتمكين” واستغلالاً لغياب السلطة المدنية الشرعية والرقابة المؤسسية.
التمكين يعود من بوابة الحرب
منذ سقوط حكومة عمر البشير في 2019، وُضعت مكافحة التمكين السياسي والحزبي في مفاصل الدولة على رأس أولويات السلطة الانتقالية، وتم تأسيس لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989 لإزالة آثار النظام البائد نجحت اللجنة في كشف حجم تغلغل منسوبي الحركة الإسلامية في مفاصل الدولة، وأصدرت قرارات فصل بحق الآلاف.
لكن بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، عاد الآلاف ممن أنهت اللجنة خدماتهم إلى مواقعهم السابقة في أجهزة الدولة، سواء عبر قرارات قضائية أعادتهم بدعوى “الفصل التعسفي”، أو بقرارات إدارية صادرة من سلطات الأمر الواقع، في ظل غياب آلية رقابة أو مساءلة مدنية.
لم تقتصر هذه العودة على الموظفين في مستويات دنيا، بل شملت قيادات تنفيذية وإدارية عليا، الأمر الذي اعتبره كثيرون “ردة على أهداف الثورة” ومحاولة منظمة لإعادة ترميم بنية النظام القديم تحت مظلة الدولة الجديدة.
ومع اندلاع الحرب في أبريل 2023، تصاعدت وتيرة هذه التعيينات، وتوسعت لتشمل وزارات خدمية وشركات حكومية وهيئات استراتيجية، في ظل انشغال القوى المدنية بالحرب وتشتت مؤسسات الدولة.
ولاية الخرطوم كنموذج
في ولاية الخرطوم، والتي ظلت تحت سيطرة الجيش منذ اندلاع الحرب، تسارعت وتيرة التعيينات التي تُعيد تمكين رموز النظام السابق في المؤسسات الحيوية، خصوصاً في مجالات البنية التحتية، الصحة، التعليم والخدمات.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن هذه التعيينات لا تتم بمعزل عن توجهات سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل الإدارة المدنية بوجوه موالية أو غير معترضة على النفوذ الإسلامي القديم، الأمر الذي يعزز مخاوف من “إعادة إنتاج النظام البائد عبر واجهات خدمية”.
التعيينات مقابل الكفاءة؟
يرى البعض أن عودة بعض الكوادر التي فصلتها لجنة إزالة التمكين قد تُبرر أحياناً بالكفاءة الفنية أو النقص في الكوادر بسبب النزوح والحرب، إلا أن مراقبين يؤكدون أن معظم هذه التعيينات تُدار بمنطق الولاء السياسي لا الكفاءة المهنية، ما يُنذر بإعادة تدوير الأزمات داخل مؤسسات الخدمة المدنية، ويقوض أي أمل في بناء مؤسسات محايدة ومهنية.
القانون والفراغ المؤسسي
في ظل غياب لجنة تفكيك التمكين وتجميد العمل بالوثيقة الدستورية، إضافة إلى تفكك بنية الدولة بسبب الحرب، باتت السلطات العسكرية والولائية تُصدر قرارات التعيين والإعفاء بلا مساءلة أو مراجعة، ما فتح الباب أمام تغوّل مراكز النفوذ القديمة مجدداً.
خلاصة إلى أين تتجه الدولة؟
يمثل تعيين محمد أحمد عوض نموذجاً صارخاً لعودة شبكة التمكين القديمة إلى مفاصل الحكم المحلي، في وقت يتحدث فيه السودانيون عن ضرورة تجديد مؤسسات الدولة وبنائها على أسس العدالة والمهنية.
إن تكرار هذه المشاهد يعيد إلى الأذهان السؤال الجوهري: هل الحرب كانت مدخلاً للتغيير أم بوابة للانتكاسة؟
فبينما تنتظر البلاد جهوداً جدية للسلام والتحول الديمقراطي، يبدو أن قوى الإسلام السياسي وجدت في الفوضى الحالية فرصة ذهبية لاستعادة نفوذها بهدوء، عبر قرارات التعيين البيروقراطية، ولكنها ذات أثر استراتيجي على مستقبل الدولة السودانية.
Leave a Reply