بين نفي الجيش وتأكيد المتأسلمين هل نحن أمام توزيع أدوار في المشهد السوداني؟

امجد السيد

في مشهد يعيد إنتاج ذات التكتيكات القديمة بلغة جديدة خرج رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول الذراع السياسي لنظام البشير بتصريحات واضحة لوكالة رويترز تكشف نوايا العودة إلى السلطة عبر الانتخابات بعد الحرب مع تأكيد على صيغة حكم تمنح الجيش السيطرة على الأمور السيادية ونفي قاطع للمشاركة في أي حكومة انتقالية غير منتخبة تزامن ذلك مع تصريح منسوب للجيش السوداني يقول فيه إن الجيش لا يتحالف أو ينسق مع أي حزب سياسي ولا يسمح لأحد بالتدخل في قراراته  في ما بدا أنه رد مباشر على تصريحات المتأسلمين

السؤال البديهي الذي يطرحه المراقبون هل نحن أمام نفي حقيقي أم مجرد توزيع أدوار محسوب بدقة؟

منذ سقوط نظام البشير في أبريل 2019 لم يتوقف الجدل حول علاقة المؤسسة العسكرية بالحركة الإسلامية ورغم القرارات الصادرة بحل حزب المؤتمر الوطني وتفكيك مؤسسات التمكين  ظلت شبكة المصالح التي تربط القيادات العسكرية ببعض مراكز النفوذ القديم فاعلة في الخفاء وتجلّت لاحقا في انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أزاح المدنيين وفتح المجال واسعا لعودة رموز النظام السابق عبر واجهات أمنية واقتصادية وإعلامية وإن لم تكن حزبية بشكل مباشر.

تصريحات رئيس حزب البشير الأخيرة جاءت لتسقط القناع عن هذه العلاقة وتقدم صورة واضحة عن مشروع المتأسلمين لما بعد الحرب عودة منظمة للسلطة تحت عباءة الانتخابات بشرط ضمان السيطرة على السيادة عبر شراكة مع الجيش هذه ليست رؤية ديمقراطية بقدر ما هي إعادة إنتاج للسلطة السابقة عبر أدوات دستورية ظاهرية.

رد الجيش بأن لا تحالفات سياسية له  هو موقف لا يمكن فصله عن الضغوط الدولية والإقليمية التي تُحذر باستمرار من إعادة تدوير عناصر النظام القديم خصوصا في ظل اهتمام متزايد من المجتمع الدولي بوقف الحرب وتأسيس مسار سياسي جديد النفي في هذا السياق لا يعني بالضرورة غياب العلاقة بل قد يشير إلى إدارة ذكية للخطاب تحافظ على مسافة إعلامية آمنة بين الجيش وحلفائه الطبيعيين دون أن تقطع خطوط التنسيق غير المعلنةبل يمكن القول إن تصريحات المتأسلمين جاءت في توقيت محرج للجيش الذي يسعى لتقديم نفسه باعتباره الطرف الوطني الحامي للوطن وليس واجهة لمشروع أيديولوجي انتهت صلاحيته.

من يقرأ هذا المشهد دون نظارات التبسيط سيكتشف أن ما يجري هو توزيع أدوار كلاسيكي بين طرفين يعرفان بعضهما جيدا

المتأسلمين يقدمون التصور السياسي لما بعد الحرب ويهيئون قواعدهم للعودة التدريجية عبر الصناديق دون صدام مع القوى الإقليمية والدولية.

الجيش يلتزم بالنفي العلني لكنه يترك الباب مواربا لصيغ تضمن بقاءه في السلطة في توافق غير معلن مع طموحات المتأسلمين

المفارقة أن الجهتين تتحدثان وكأن الشعب السوداني مجرد تفصيل ثانوي، وكأن الثورة التي أسقطت نظام الإنقاذ لم تكن تعبيرا عن رفض شامل للتحالف بين الجيش والإسلاميين.

السؤال الحقيقي الآن ليس في صدق النفي أو تصريح التأكيد بل في وعي القوى المدنية والثورية بضرورة فضح هذا التلاعب المكشوف المعركة المقبلة لن تكون فقط في ميادين الحرب بل أيضا في ميدان السردية من يتحكم في رواية ما بعد الحرب؟ ومن يرسم معالم الانتقال؟

إذا لم تبادر القوى الديمقراطية بتوحيد صفوفها وصياغة مشروع سياسي متماسك فإن العودة إلى الوراء ليست فقط ممكنة بل ستكون محققة، ولكن بوسائل دستورية هذه المرة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.