
بقلم: أحمد مختار
#ملف_الهدف_الثقافي
1 _هذه محاولة لمناقشة واستعراض كتاب الدكتور آدم يوسف، المعنون ب(ثقافة العنف والقوة في أنظمة الحكم الإفريقية، والكاتب باحث تشادي متميّز، نشر العديد من الدّراسات في الأدب والسّياسة، وله حضور فاعل في القضايا المعاصرة.
(الحرية، المساواة، الإخاء أو الموت)
بهذه العبارة المكثّفة المعاني، استهلّ دكتور آدم بحثه القيم، وهى مقولة مُستلّة من الدستور الفرنسي الصادر في 5 إكتوبر عام 1958م، وفقاً لآخر تعديلاته في 23 يوليو 2008م.
في مقدمة البحث يشير د.آدم إلى أن هذا الموضوع لم يجد حظّه من العناية رغم اهميته، وأن تنامي ظاهرة العنف والقوة في إفريقيا “أصبحت تُشكّل بدلالاتها وتأثيراتها خطراً على السّلام والاستقرار، وأن من الاهمية بمكان تناولها وسبر أغوارها الثّقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية”
ويشير الكاتب إلى أن معظم الأفارقة، كانوا يظنون أن استخدام العنف والقوة قد غادر إفريقيا، بخروج الاستعمار التّقليدي، لكن الواقع خلاف ذلك، لأن ظاهرة العنف مازالت منتشرة في كل أرجاء القارة _حتى اليوم- وتُشكّل أحد أهم المشكلات الرئيسية فيها.
ونأي دكتور آدم عن توجيه اتهام لأي دولة بعينها من الدول الكبرى في الغرب الأوربي، ومؤسساتها بالوقوف وراء الظاهرة، إلا أنه أشار إلى أن بعض الدول الغربية، في حاجة إلى الموارد الإفريقية، وهو ما يدفعها في كثير من الأحيان للتّدخل في سياسات الدول الإفريقية الداخلية” رغم أن تدخل الدول الأوربية وأمريكا في شئون إفريقيَا الداخلية لم يعُد مكان جدل، حتى في أوربا أوأمريكا ذاتهما، بعد أن تكشّفت حقائق كثيرة عن تلك التّدخلات، برفع الرّقابة والسرّية عن وثائق الاحتلال ممارساته. وبحث دكتور آدم صادر عن دار المصورات للنشر والطباعة والتّوزيع في العام 2018م الخرطوم، في ظروف معقّدة في السُّودان- في تقديري- هي التي حدّت من توزيع البحث وانتشاره رغم أهميته البالغة والمُلحّة في هذا المنعطف الذي تمر به بلادنا والإقليم والعالم.
2_ أورد الباحث تعريفات لغوية للعنف، من القاموس الفرنسي منها: أنه (كل ممارسة للقوة عمدًا أو جورًا، وكلمة عنف (violence ) الفرنسية مستعارة من الكلمة اللاتينية التي تُشير للقوة (force) وأن مصطلح القوة والعنف مشتقان من أصل واحد، وإنْ كان مفهوم القوة أكثر شمولًا من العنف، لأن الأخير من الناحية اللُّغوية هو “الإكراه المادي الواقع على شخص لإجباره على سلوك أو التزام ما” ص 13
وأن المصطلح في اللُّغة الانجليزية- أصله اللاتيني معناه( الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة، لإلحاق الأذى بالأشخاص والإضرار بالممتلكات، ويتضمّن ذلك معاني العقاب والاغتصاب والتّدخل في حريات الآخرين، وأن كلمة عنف جاءت في قاموس المعاني (ع.ن.ف.) العنف ضد الرّفق، عَنَف بالرجل: لم يرفق به، شدة وقسوة، ضد رفق ولين.
ووفقاً لعالم التاريخ ثيودور ريثاك، يشير الباحث إلى أن الشعوب تحاول أن تمتنع عن العنف، لفترة أسبوع واحد، وعندما لا يجدي ذلك فتيلًا، تتحوّل للعنف، وهو أمر لم ينجح لقرون مضت -في نظر الباحث- لأن العنف ليس حصرًا على مجموعة بعينها أو ثقافة ما، بل موجود لدى كل الثّقافات بأنواعه المختلفة وأشكاله المتعددة.
ومن المهم تفكيك مقولة ثيودور ريثاك التي أشار لها دكتور آدم. ” لأن شعوب العالم وليس إفريقيا وحدها، انتظرت عقود من الزمان والاحتلال جاثم على صدرها، وهو يمارس العنف ويستخدم القوة، لأن السّلم فطرة بشرية والذي مارس العنف والقوة ضدها هو الاحتلال والأنظمة التي حكمت شعوبها بعده..
3- العنف السياسي
يقول الباحث إنّ العنف السّياسي له مدلولات عديدة منها
_نوع داخلي أطرافه تمارس عنفها داخل إطار ما يجمع بينها، وفي تقدير الباحث أن ذلك أهم ما يميّزه عن الحرب بمعناها الواسع المعروف، التي يمكن أن تكون عنفًا خارجيًا، وأن وجود الإطار في حد ذاته، هو ما يبيّن خطورة ظاهرة العنف السياسي.
_ عنف يدور حول السُّلطة، بمعنى أنه عنف يتعلّق في جوهره بالسُّلطة ورموزها، وهو عنف متبادل بالضرورة، ولذلك يختلف عن الأنواع الأخرى من العنف، حيث يتمايز فيها بوضوح دور الضحيّة عن دور المعتدي.. “هل يمكن إسقاط هذا النّوع على الحرب الدائرة في السُّودان؟”
_عنف يتميّز بالجماعية، بمعنى أنه عنف يغلب عليه الطابع الاجتماعي،وإنْ قام به فرد، فإنه ممثّل عن جماعة معبراً عن توجهاتها.
4_ عنف يتميّز بالإعلانية من أطرافه، حيث تسارع للإعلان عن مسؤوليتها في تلك الأفعال.
ويشير دكتور آدم إلى أن لفظ (العنف) من أكثر الالفاظ استخداماً في الإعلام الغربي والعربي على حد سواء،. وأنه على مدار عقود من الزمان لم تُغب ظاهرة العنف في وسائل الإعلام ، بسبب الحروب والصراعات المسلحة على السُّلطة أو على الأرض والموارد”ص 15.
لابد من الإشارة إلى أن اهتمام الإعلام الغربي، بظاهرة العنف محكومة بمصالح الدول والحكومات التي تقف وراء ذلك الإعلام حيث ظلت توظّفه منذ بدايات الاحتلال الأوربي لإفريقيا والشّرق الأوسط في القرن التاسع عشر لخدمة أهدافها للسيطرة على الموارد، والتبشير بثقافاتها وأنماط حياة شعوبها، التي تختلف كلياً عن ثقافات وطموحات الأفارقة والعرب ودول العالم الثالث التي احتلتها.
5- يخلص الباحث إلى حقيقة مرعبة، وهى أن الحكومات الإفريقية هى الأكثر عنفاً ضد شعوبها في كل العالم، وأنها- أي الحكومات- تعمل لتنمية ظاهرة العنف من خلال ممارساتها غير الحكيمة ، رغم أن الشّعوب الإفريقية مثلها مثل بقية البشرية، لها سلوكيات مختلفة، منها ما يتّسم السّلام ومنها ما يتّسم بالعنف، وأن السٌلام هو الشائع في قاموسها وثقافاتها، بينما الحروب والنزاعات المسلحة، هى التي تسيطر على صورة إفريقيا في وسائل الإعلام، بسبب انتشار العنف السياسي وتكرار الحروب والنزاعات المسلحة، وحسب قاعدة بيانات جامعة أوبسالا، شهدت إفريقيا أكثر الحروب والصّراعات المسلحة في العالم من أي منطقة في العالم. ص 15
وهو ما يحزن حقاً.
Leave a Reply