
بقلم أم احمد
كانوا يحلمون فقط…
بلقمةٍ نظيفة، بزيٍّ جديد، بمقعد دراسي محترم، أو هاتف بسيط يكسر وحشة الوحدة.
وكانت لهم أيضًا أحلام كبيرة…
يحلمون بأن يكونوا مهندسين، أطباء، معلمين، فنانين، يحلمون بوطن يُشبههم، ببيت صغير يبنونه بالحب، بسلام لا تخرقه رصاصة.
كانوا يسيرون نحو هذه الأحلام بثبات، بخطى واثقة، وإن كانت مثقلة، كانوا يؤمنون أن الغد سيكون أفضل، وأن الشمس لا بد أن تشرق.
لكن فجأة، انقضّت الحاجة على أحلامهم مثل وحش جائع، وضيّقت عليهم الأرض بما رحبت.
تحوّل الحلم من جامعة إلى وظيفة يومية، ومن وظيفة إلى وجبة، ومن وجبة إلى البقاء حيًّا ليوم آخر.
ثم جاء تجار الموت، بثياب الوطن والشعارات.
جاءوا يتاجرون بجوعهم، بكرامتهم، بضعف أكتافهم.
أقنعوهم أن الوطن بحاجة إليهم، وأن البندقية سبيل العزة، وأن الاستنفار بطولة.
لكن الحقيقة؟
أنهم زجّوا بهم في أتون حرب لا تشبههم، وأن الوطن كان آخر ما في نواياهم.
أخذوهم من مقاعد الانتظار، من نوافذ الحلم، من أحلام أمهاتهم ودفاترهم المدرسية، ورموا بهم في الخنادق.
بدل أن يحملوا الأقلام، حملوا البنادق.
بدل أن يملؤوا الجامعات، ملأوا المقابر.
دمروا جيلًا كاملًا…
سرقوا منه الطموح والبراءة، وألبسوه وهْم المجد الزائف.
والنتيجة؟
شباب ضائعون، مشردون، مبتورو الأطراف، أو مثقلون بصدمات لا تُشفى.
أمهات مكسورات، وآباء مكلومون، ووطن ينزف من خاصرته الطرية.
لقد استغلوا الحاجة…
واستعملوها سلاحًا لتغذية حربهم، متى ما أرادوا، استدعوا الفقر من بيوت البسطاء، وجعلوا من الحلم فخًا للدم.
فمن يعيد لذاك الجيل أحلامه؟ ومن يوقف سيل المتاجرة بالمستقبل تحت لافتة الاستنفار والوطنية والكرامة؟
Leave a Reply