
#الهدف_كادوقلي
✍🏽 إبراهيم عثمان محمد
تشهد مدينة كادوقلي هذه الأيام واحدة من أسوأ موجات الغلاء والتدهور الاقتصادي، وسط صمت رسمي قاتل وغياب واضح للمعالجات الإنسانية. وقد رصدت (الهدف) عبر جولة ميدانية في الأسواق الرئيسية للمدينة، ارتفاعًا جنونيًا في أسعار السلع الأساسية، وانعدامًا كاملاً لمواد حيوية، على رأسها الذرة التي اختفت لليوم الثالث على التوالي، مهددة أمن الناس الغذائي ومعيشتهم المباشرة.
“ملوة الذرة” حلم بعيد المنال
أمام أحد المحال في سوق كادوقلي الكبير، اصطفت عشرات النساء في طابور طويل، كلٌّ منهن تحلم بالحصول على ملوة أو ملوتين من الذرة. لكن الصدمة كانت أكبر حين علمن أن المخزون قد نفد، وأن السعر بلغ 25 ألف جنيه للملوة الواحدة، إن وُجدت.
تقول المواطنة فاطمة، وهي أم لخمسة أطفال:
“أمسك الصف من الصباح.. وما لقيت. ما عندنا نأكل. دايرين شنو أكتر من كده عشان الناس تحس بينا؟”
أسعار ملتهبة.. والمعيشة مستحيلة
أسواق كادوقلي تنبض بالألم والغضب. الأسعار صعدت إلى مستويات غير مسبوقة، وباتت السلة الغذائية الأساسية بعيدة المنال:
كيلو السكر: 24,000 جنيه
كيلو الدقيق: 20,000 جنيه
ملوة الفول: 20,000 جنيه
رطل البن: 60,000 جنيه
لوح صابون الغسيل: 28,000 جنيه
كيلو لحم الضأن: 32,000 جنيه
جركن الجازولين: 700,000 جنيه
جالون البنزين: 240,000 جنيه
في حديث لـ(الهدف)، قال المواطن سليمان آدم:
“مشيت السوق أشيل حاجات بسيطة: ملوة دقيق بـ25 ألف، نص رطل زيت بـ7 ألف، خمسة حبات توم بـ2 ألف، كيس ملح بـ4 ألف.. دا ما سوق دا ساحة إذلال!”
انعدام المواصلات.. وأقدام الناس تُنقل المعاناة
مع شح الوقود وارتفاع أسعاره الخرافي، باتت حركة المواصلات شبه متوقفة. المواطنون يقطعون مسافات طويلة سيرًا على الأقدام. يقول أحدهم:
“أنا مشيت كدارى، ما لاقي مواصلات.. وفى الطريق أطفال صغار بيقولوا لي: يا عمو أديني دقيق!”
الزراعة متوقفة.. والمطر شحيح
المزارع الصغيرة (الجباريك)، والتي كانت بمثابة صمام أمان موسمي لأهالي كادوقلي، تعاني بدورها من قلة الأمطار. يحتاج معظمها إلى شهر إضافي على الأقل ليبدأ الإنتاج، مما يضاعف القلق من مجاعة فعلية قد تضرب المدينة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
الناس وحدهم في الميدان
الوضع في كادوقلي ليس مجرد أزمة معيشية طارئة، بل كارثة إنسانية تتفاقم بصمت. المواطن يشعر اليوم أنه تُرك يواجه الموت جوعًا، بعد أن تخلّت عنه الحكومة، وتناسى المجتمع نداءه.
ليست الأزمة أزمة أبناء ولاية فقط، بل محنة وطنية تستدعي تدخل الجميع — مؤسسات، منظمات، مبادرات، إعلام — لإعادة الأمل لأسر فقدت الحد الأدنى من مقومات الحياة.
رسالة كادوقلي واضحة: الجوع لا يطرق باب مدينة بعينها، وإذا صمتنا اليوم، سيتسلل غدًا إلى الجميع.
Leave a Reply