
بقلم: رشا عوض
#ملف_الهدف_الثقافي
“إذا رأيت من الطلاقة بارقًا… فأبذل حياتك غير مغلول اليد”. هكذا أنشد الصاغ محمود أبو بكر في رائعته “صه يا كنار” وهو يستنهض قوة دفاع السودان للقتال في صفوف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، لأن ذلك كان طريقًا للاستقلال. ذلك الشاعر المجيد كان رجل عسكرية ومقاتلاً شرسًا، ولكنه يمجد العمل العسكري في سياق تمجيد أهدافه، فالقتال بتفاصيله القاسية والمقززة أحيانًا لا يُلهم أحدًا. والشاعر الحقيقي والفنان صاحب الوجدان المُعافى، حتى لو وجد نفسه لضرورة وطنية منحازًا لجيش دولته، أو لحركة تحرر وطنية، فإنه يهرب من هذه التفاصيل المؤذية، تفاصيل الجثث المتعفنة التي تنهشها الجوارح والحيوانات، ويطردها من شعره وينصرف إلى تمجيد التضحيات وغايات القتال الذي هو من إكراهات هذا العالم، ووجه من وجوه قبحه.
في تلفزيون السودان الرسمي تغنت ندى القلعة بأغنية حماسية للجيش تقول: “عجوبة هوي الحال دا ما بدوم… الجياشة جو وحرّروا الخرطوم”. الأغنية لحنها جميل، وندى القلعة، بعيدًا عن سذاجتها السياسية، صوتها جميل وقوي ومناسب جدًا لغناء الحماسة. نصيحة: هذه المرأة مغنية بالفطرة، لكن هناك لغم في كلمات الأغنية وهو عندما تقول: “الكلاب بتنهش في الرموم”… عبارة مقززة ومؤذية للوجدان المعافى، عبارة تفضح كراهيَة غليظة ضد بعضنا البعض. قتلى الحرب من الدعم السريع سودانيون، ولو لم يكونوا سودانيين فهم بشر، وللإنسان حرمته حيًا وميتًا، حتى لو كان عدوًا تقاتله!
الفن رسالته التي نعرفها هي تكثيف حضور الجمال في حياتنا، فما هو الجميل في مشهد كلاب تنهش جثث قتلى حرب بين أبناء وطن واحد؟! كيف نصف بشرًا مثلنا بالرموم ازدراءً؟! وكيف يجد هذا الانحطاط طريقه إلى مسامعنا عبر تلفزيون الدولة الرسمي؟ (بالله هذه دولة تقول لي نحافظ عليها من الانهيار!).
انهيار كيف أكثر من هذا الانحطاط والتفاهة!
أناشد ما تبقى من هذه الدولة المزعومة أن تحذف هذا المقطع المخجل والمقزز من الأغنية.
لقد نهشتم الوجدان السوداني بالقبح في حربكم هذه، مثلما نهشتم أجساد السودانيين بالرصاص والدانات!
Leave a Reply