في مدينة الرحاب: طه سليمان يعود جماهيريًا بفن يغازل كل الأجيال

رصد: الهدف الثقافي

في أمسية فنية استثنائية، أطل الفنان السوداني طه سليمان على جمهوره من أحد مسارح مدينة الرحاب بالقاهرة. كان هذا أول ظهور جماهيري له بعد غياب طويل، حاملًا معه مزيجًا من الشوق والحنين والتجديد، وسط حضور جماهيري لافت، واحتفاء واضح بعودته للساحة الفنية.

لم يكن حفل طه سليمان مجرد مناسبة غنائية، بل لحظة رمزية تُجدّد صلة الفنان بجمهوره في زمن الحرب والتشظي. إذ حمل ظهوره بعدًا إنسانيًا موازيًا لرسالته الفنية، حيث لم يغب طه عن المشهد السوداني كليًا، بل بقي حاضرًا من خلال دعمه للمتضررين من الحرب ومساعدته لأهله، وهو ما منحه رصيدًا إضافيًا في قلوب محبيه ومتابعيه.

فنان يعرف قواعد اللعبة

طه سليمان لم يكن يومًا فنانًا عاديًا؛ هو فنان ذكي، طموح، موهوب، وصاحب صوت مميز، يعرف جيدًا كيف يُبقي حضوره في دائرة الضوء. وكما اعتاد جمهوره، لا يكتفي طه بالغناء، بل يسعى دائمًا لصناعة مشهد بصري ودرامي يوازي ما يُقدمه صوتًا وأداءً. من ظهوره في برنامج “أغاني وأغاني” بملابس لافتة، إلى إدارته الواعية للتفاعل الجماهيري عبر “السوشيال ميديا”، ظل طه يختار أن يكون جزءًا من المعادلة كاملة، لا مجرد مؤدٍ لأغنية.

جمهور متنوع ومعادلة صعبة

جاء الحفل محملًا بتحدٍ خفيّ، كيف ينجح فنان في مخاطبة ثلاثة أجيال مختلفة في آن واحد؟

جيل جديد منفتح ومتمرد على التقاليد، وجيل وسط يعيش الحيرة بين القديم والجديد، وجمهور محافظ يميل للأصيل ويرفض الخروج الصارخ عن النص.

طه، بوعيه، حاول أن يُرضي الجميع، عبر توليفة غنائية متنوعة، أضاء فيها محطات من مشواره، وغازل ذائقات متعددة، وظل يوزع حضوره بين شباب اليوم وعشاق “الزمن الجميل”. وهي معادلة معقدة، إذ أن أي اختلال فيها قد يُفقده أحد الأطراف، لكنه اختار مغامرة محسوبة، ليُثبت أنه فنان لكل المراحل.

رسائل تحتاج لمراجعة

رغم نجاح الحفل من حيث الحضور والإبهار والتنظيم، إلا أن بعض العبارات التي خرجت من طه على المسرح، بدافع الحماس أو العفوية، أثارت نقاشًا. كتصريحه بأنه “جاء لينافس، ومصر ضد السودان في تنافس شريف”. فرغم أنه قالها بروح ودّية، إلا أن بعض المتلقين اعتبروها غير موفقة، خصوصًا وأن الفن لا يعرف حدودًا ولا خصومات، بل هو لغة تواصل تتجاوز الجغرافيا.

وهو تذكير مهم بأن الفنان في لحظات الزخم يحتاج إلى ضبط لغته على المسرح، حتى لا تخونه الكلمة في لحظة انفعال.

توصيات بين السطور

من الواضح أن طه سليمان يرغب في الانتشار الأوسع، وتثبيت اسمه كفنان سوداني كبير يمتلك صوتًا حقيقيًا وجمهورًا واسعًا. وهنا، تبرز بعض التوصيات الفنية:

  • الاعتماد على الصوت والغناء أكثر من الحديث العفوي، فصوته كافٍ ليقول الكثير دون شرح.
  • اختيار الفريق المحيط به بعناية، بحيث يضم مستشارين يملكون رؤية فنية ويجنّبونه الانزلاق في ما لا يخدم مسيرته.
  • العودة إلى الجذور المحلية، فالمحلية كما يقال هي أقصر الطرق إلى العالمية.
  • الاستفادة من التجربة الأخيرة، عبر قراءة موضوعية لما قدمه، وتحويل الملاحظات إلى فرص للتحسين.

في الخلاصة

طه سليمان عاد، وهذه العودة بحد ذاتها خبر فني وإنساني يستحق التوقف. لا لأن الحفل كان كاملًا أو بلا ملاحظات، ولكن لأن فيه مؤشرات على فنان يُعيد ترتيب أوراقه بعد حرب، ويريد أن يُغني من جديد للحياة وللناس.

الجماهير تنتظر منه المزيد… والأهم، أن يظل صوته حاضرًا، لا مجرد حضوره.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.