
#مراسل الهدف_بورتسودان
لم يكن المواطن محمود خواجة يعلم أن خروجه من منزله في حي القادسية “ولع” ببورتسودان، سينتهي به إلى سرير في مستشفى الموانئ، مُضرجًا بالضرب والإهانة، ضحيةً جديدة لانفلات السلاح وغياب الردع. تعرض خواجة للضرب المبرح، والتعذيب المهين، وتم حلق شعره بطريقة وحشية لا تليق بكرامة إنسان، على يد أفراد مسلحين يتبعون لمليشيات حركة العدل والمساواة، بحسب ما أفاد شهود عيان.
ما حدث للضحية لا يُمكن قراءته كحادث فردي، بل هو امتداد طبيعي لحالة الانفلات الأمني التي بدأت تطبع واقع المدن السودانية، وخاصة بورتسودان، منذ أن تحولت إلى مركز تجمع للمليشيات والقوات النظامية المختلفة، بلا ضوابط ولا قوانين تُنظم وجودهم بين المدنيين.
من “سنونة” إلى “خواجة”.. متى يتوقف السقوط؟
حادثة محمود خواجة أعادت إلى الأذهان ما جرى سابقًا للشاب سنونة، في واقعة مشابهة أثارت الرأي العام. وبين الحالتين، عشرات القصص المسكوت عنها، لمواطنين واجهوا الإهانة أو الاعتداء أو الترهيب، في ظل صمت رسمي فاضح وتواطؤ سلطوي غير مبرر.
ما يجمع هذه الوقائع ليس فقط مرتكبوها، بل مناخ الإفلات من العقاب، واختلاط الصلاحيات، وغياب سلطة القانون، وتحول الأحياء السكنية إلى ثكنات مشحونة بالتوتر والتوجس.
من المسؤول؟ أين القانون؟
من يحمي المواطن اليوم؟ أين الجهات العدلية والعسكرية من محاسبة المعتدين؟ ولماذا تُترك الأحياء في قبضة المسلحين؟
إن استمرار تمركز المعسكرات داخل المدن وبين منازل المواطنين، دون أي قيود على سلوك الجنود والمليشيات، هو في حد ذاته استفزاز مباشر لأمن المجتمع، وتمهيد لانفجار اجتماعي واسع، خاصة في ظل الانهيار المؤسسي وغياب مرجعية مدنية تضبط العلاقة بين المواطنين والقوى العسكرية.
الخطر القادم: فتنة اجتماعية وانهيار النسيج الأهلي
إن ما جرى لمحمود خواجة، وما سبقه من حالات مشابهة، لا يهدد حياة الأفراد فحسب، بل ينذر بانفجار الفتنة بين المواطنين والمسلحين، وتحول الأحياء إلى بؤر توتر دائمة، وهو أمرٌ لا يحتاج كثير خيال لنتوقع نتائجه الكارثية على السلام الأهلي ووحدة المجتمع.
ورغم نجاح عمدة الشباب، العمدة تاج السر صالح همد البلوي، في تهدئة الموقف هذه المرة، إلا أن الأزمة أعمق من أن تُحل بمبادرات اجتماعية، ما لم يصحبها تحرك رسمي حازم يضع حدًا نهائيًا للتفلت، ويرسي قواعد واضحة للمحاسبة والضبط.
نداء من بورتسودان.. لا تجعلونا وقود الفوضى
بورتسودان ليست ثكنة عسكرية. وأحياؤها ليست معسكرات. ومواطنيها ليسوا أهدافًا سهلة لمن يحمل السلاح بغير وجه حق.
على السلطات العسكرية والمدنية – إن وُجدت – أن تتحمل مسؤوليتها كاملة، في:
إخراج المعسكرات من الأحياء السكنية فورًا.
سن قوانين رادعة لضبط سلوك القوات والمليشيات.
إنشاء آليات واضحة لتلقي الشكاوى والتحقيق في الانتهاكات.
إعادة الاعتبار للضحايا ومعاقبة المعتدين وفق القانون.
محمود خواجة اليوم، وقبله سنونة، وغداً لا نعلم من. لكن ما نعلمه جيدًا هو أن هذا المسار لا يقود إلا إلى الهاوية.
الكرامة الإنسانية ليست ترفًا، والأمن ليس منحة، بل حق أصيل لكل مواطن. والسكوت على تفلت العساكر والمليشيات هو بمثابة مشاركة ضمنية في الجريمة.
آن أوان الحسم… فالمواطنون لم يعودوا يحتملون مزيدًا من الإهانات.
Leave a Reply