ترامب ليس سوي ذئب يرتدي ثوب الوسيط

محمد ضياء الدين

مؤخرًا نشطت الإدارة الأمريكية تحت القيادة الجديدة لدونالد ترامب، في تعاملها مع الأزمة السودانية، بعد سنوات من الإهمال بمجريات الأحداث في السودان.

إن اهتمام ترامب المفاجئ بالسودان، بالطبع ليس بدافع إنساني كما قد يظن البعض، الذين يصورون ترامب ب”المنقذ”، بل لأن الأزمة باتت تهدد المصالح الأمريكية الحيوية، خاصة مع تنامي النفوذ الروسي والصيني والإيراني في المنطقة، وتحول السودان  إلى ساحة تنافس على الموارد والطرق الاستراتيجية، لاسيما تلك المطلة على الشاطئ الأحمر.

وفي هذا السياق، تروج واشنطن لخطاب “السلام” بينما تركّز عمليًا على إضعاف القوى الوطنية واحتوائها لخدمة مصالح قوى رأس المال الأجنبي. فاتفاقيات “إبراهيم”، التي دفعت ترامب لتطبيع العلاقات السودانية الإس-رائيلية ضمنها، كشفت أن أولوية واشنطن هي تعزيز التحالفات، التي تضمن الهيمنة الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب استقرار السودان. هكذا تُلغى المعايير الإنسانية عندما لا تتوافق مع شعار الإمب-ريالية الأمريكية  “أمريكا أولًا”.

ولا يقتصر الأمر على ذلك، فاهتمام ترامب الحالي نابع أيضًا من تداعيات الأزمة العابرة للحدود، مثل تدفق اللاجئين وانتشار المجاعة وتصاعد نشاط الميليشيات المدعومة من القوى المنافسة. كل هذه العوامل باتت تهدد المصالح الأمريكية ومصالح حلفاءها في المنطقة.

أضف إلى ذلك أن العقوبات الأمريكية “الذكية” المفروضة على  أطراف الصراع تهدف بالأساس إلى تجفيف تمويل الح.رب لإضعاف أطرافها وليس بغرض إنهاء الح.رب، وصولًا بطرفي الح.رب إلى مرحلة ما يعرف بتوازن الضعف، لإجبار المتحاربين بقبول الشروط الأمريكية، كل ذلك يتم تحت غطاء “تسهيل السلام”، وهو نهج أمريكي معروف يُستخدم كأداة لاحتواء الأضرار، التي تهدد المصالح الأمريكية قبل تفاقمها.

تؤكد الوقائع أن مصالح قوى الرأسمالية المتوحشة لا ولن تقدم حلولًا إنسانية مجردة لخاطر عيون أهل السودان . كما أن دعوة الإدارة الأمريكية إلى “توحيد المسارات التفاوضية” تخدم في النهاية، إضعاف القوى الوطنية السودانية بكل مكوناتها، لصالح حلول سياسية يفرضها اللاعب الكبير على الجميع، على رأسها القبول بالتطبيع مع الكيان الصهuوني، مما يحوّل السودان إلى دولة خاضعة، وإلى ساحة لترسيم حدود النفوذ بين واشنطن ومنافسيها. عليه، يجب على السودانيين، الذين تحولوا إلى وقود للح.رب، عليهم أن ألا يكونوا وقودًا من جديد لهذه المعادلة الأمريكية.  عليهم أن يدركوا أن “المنقذ” الأمريكي ما هو إلا جزء من المشكلة. فالحل الحقيقي يبدأ من الداخل، بإغلاق باب التدخلات الخارجيةأولًا، والذهاب لطاولة المفاوضات، بدون أي شروط مسبقة، تفاوض ينهي الح.رب ويحقق السلام والاستقرار، في ظل سلطة مدنية ديمقراطية.

ولينتبه الجميع، أن الأحمق ترامب لا يفهم سوى لغة المصالح “البزنس”، فهو نموذج حي لما يعرف حديثًا بالإمب-ريالية النفسية، التي تنتج شعوبًا مستلبة، وتربي حيوانات اقتصادية شرهة تبحث عن المال بكل الوسائل.

أيها السادة..

ترامب ليس سوى ذئب يرتدي ثوب الوسيط.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.