
بقلم: أم أحمد
في زمن اختلطت فيه الحقائق، وتشابكت فيه الدماء بالمصالح، جاء التصريح الإعلامي لقيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي (10 يوليو 2025) بمثابة وثيقة وطنية جريئة، تُعيد ترتيب أولويات الحديث حول الوطن، لا على مقاس السلاح والانقسام، بل على مقاس الإنسان السوداني الذي طحنته الحرب ونالت من سلامه الداخلي قبل جغرافيته.
لم يكن هذا التصريح مجرد موقف سياسي عابر، بل كان شهادة تاريخية على وعي نادر، وشجاعة في التشخيص، ووضوح في تسمية الأشياء بأسمائها، في وقت تتكاثر فيه الأصوات الرمادية أو المأجورة.
*نقاط بارزة من التصريح*
الإشادة بصمود الشعب: أشاد التصريح بصمود الشعب، ووقف إلى جانب الناس العاديين، لا النخب المتورطة ولا التجار المتكسبين من النار والدخان. أكد أن هذه الحرب ليست حرب الشعب، وأنه، رغم الجراح، ما زال يحمل بذور التغيير.
كشف مخاطر التجييش: كشف التصريح بجلاء عن مخاطر التجييش القبلي والجهوي، وكيف أن الطرفين يسهمان بوعي أو بغير وعي في تفتيت الوطن وتمزيق نسيجه، تحت وهم النصر العسكري. والأخطر أنه ربط هذه السياسات بخيوط خارجية وتاريخ طويل من المشاريع التي استهدفت تقسيم السودان، متوقفًا بحذر وصدق عند العلاقة المخزية ببعض الأطراف المرتبطة بالعدو الصهيوني.
الوقوف ضد الانتهاكات: وقف التصريح بصوت عالٍ ضد الانتهاكات: التضييق على المتطوعين، قفل التكايا، تجويع الناس، ضرب معسكرات النازحين، وتحويل المدن إلى ساحات حرب ومناطق تجريب. اعتبر ذلك ليس فقط خرقًا للقانون، بل خرقًا للإنسانية.
* قراءة المشهد السياسي بعمق:
قرأ المشهد السياسي بعمق، فذكر أن “حكومتين بلا شرعية، بلا قاعدة شعبية، بلا أفق، ما هما إلا وجهان لعملة الانقسام، وتبادل أدوار مفضوح في لعبة كراسي بائسة، لا هم لها إلا شرعنة السيطرة وتقسيم السلطة والموارد، حتى لو احترق الوطن”.
*الإشادة بالإعلام الحزبي والمبادرات الوطنية*
كانت إشادته بالإعلام الحزبي والمبادرات الوطنية لفتة وفاء تستحق التقدير، لأنها تُذكّر بأن المعركة ليست فقط في الميدان، بل في الكلمة، في الفكر، وفي ضمير الشعوب.
*موقف أخلاقي وفكري متقدم*
هذا النص، في مضمونه وتوقيته، جاء كموقف أخلاقي وفكري وسياسي متقدم، يضع الشعب في مركز المعادلة، لا الأطراف المسلحة ولا الأجندات الدولية. دعا إلى بناء جبهة شعبية واسعة، تُوحّد الصف الوطني لا على أساس السلاح، بل على أساس الإرادة الشعبية والتغيير الحقيقي.
*ميزة نادرة*
وفي النهاية، يبقى لهذا التصريح ميزة نادرة: أنه لم يهادن أحدًا، ولم يتوسل شرعية من بندقية، بل راهن على وعي الشعب وعلى استعادة المعنى الحقيقي للوطن.
في زمن تكاثرت فيه البيانات والتصريحات، كان هذا التصريح صوتًا نقيًا، صوتًا يشبه ما تبقى فينا من حلم بوطن لا يساوم في إنسانيته ولا يفرط في وحدته.
فكل التحية لحزب لم يخف أن يقول كلمة حق، في وجه واقع أخرس وأعمى.
Leave a Reply