
بقلم: د.ستنا بشير
#ملف_المرأة_والمجتمع
منذ إعلان “تحرير” الخرطوم، ارتفعت آمال ساكنيها الذين هجروها منذ بداية حرب 15 أبريل 2023، ناجين بأنفسهم من ويلات الحرب والقتل العشوائي. وظن كثيرون بأن حلم العودة أوشك أن يصبح واقعًا معاشًا.
امتلأت نفوس السودانيين بالأمل بقرب العودة لبيوتهم وعودة الحياة لسابق عهدها، بين الأهل والجيران والمعارف، والعودة إلى مزاولة العمل والسعي والكد ومجابهة الحياة.
انعدام الأمن وسوء الأحوال المعيشية
ولكن مرور الأيام، وتجربة من عادوا، ينبئان بالعكس. صرّح والي الخرطوم، منذ عدة أيام، وهو يرتدي الزي العسكري، بضرورة تسليح المواطنين لحماية أنفسهم!
الرسالة التي يبعثها مثل هذا التصريح هي أن القوات النظامية لا تستطيع حماية المواطن. ما يطرح سؤالًا مهمًا: أين هو دور الشرطة، وهي الجهة المسؤولة عن حماية المدنيين؟
وكأننا لا يكفينا السلاح المنتشر بكثافة خارج إطار القانون، سواء في أيدي الحركات المسلحة التي تحارب في صف الجيش، أو الكتائب الإسلاموية المسلحة، والمستنفرين، والميليشيات التي تتضاعف أعدادها يومًا بعد يوم؛ ليصرّح الوالي بمثل هذا التصريح الذي يكرس للفوضى وتجييش المجتمع.
الموت المجاني
انتشرت حوادث الموت بالرصاص الطائش، على أيدي مدنيين يحملون السلاح، في شكل حوادث عرضية، أو لتصفية حسابات بين متخاصمين استسهلوا استخدام السلاح بدلًا من الطرق المدنية المعروفة لحسم الخلافات.
أما الموت المجاني بسلاح “الشفشافة”، الذين يرتدون زي قوات نظامية، فأصبح من الحوادث اليومية، وكأن أرواح الناس لا قيمة لها.
الذين عادوا من النزوح واللجوء يعانون الأمرين، ما بين انعدام الأمن، وسوء الأحوال المعيشية، يطحنهم غلاء أسعار السلع الأساسية، وانعدام الكهرباء والمياه والعلاج، وإصحاح البيئة.
أما من بقي ولم يغادر لضيق ذات اليد أو لأي أسباب أخرى، فهؤلاء ظلوا يعتمدون على ما تقدمه لهم التكايا والمطابخ، من خلال صفوف طويلة وقاسية، مما تجود به أيادي أهل الخير من أبناء الوطن، إن كان بالمال أو الجهد.
وغرف الطوارئ الآن تدير عملية الحفاظ على حياة المواطنين. أما الإغاثة والمساعدات فهي خاضعة لموازين القوى، يتحكم بوصولها لمستحقيها من بيده السلطة وقوة السلاح من طرفي الحرب.
معايير قرار العودة
قرار العودة الآن خاضع للتقديرات الشخصية، فمن استطاع أن يحرز قدرًا من الاستقرار بالخارج، وله مصادر تمويل تعينه على الحياة، غالبًا أحد أفراد الأسرة المغتربين، غالبًا ما يتمهل في اتخاذ قرار العودة، لحين تحقق مزيد من الاستقرار على مستوى الوضع الأمني والمعيشي.
أما من ضاقت به أرض اللجوء والنزوح، وتعثر في توفير متطلبات الحياة، من إيجار ومعيشة ومدارس، فغالبًا ما تتخذ هذه الفئة قرارًا بالعودة، ومجابهة مخاطرها وتحدياتها.
Leave a Reply