
تقرير: عائشة السماني=
#ملف_المرأة_والمجتمع
تكشف تقارير حديثة عن تصاعد مقلق في حالات اختفاء النساء والفتيات في السودان منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023، وسط شهادات مروعة عن استغلال وانتهاكات جسيمة، ما يضع أمهات في رحلة بحث مؤلمة عن بناتهن المفقودات في ظل صمت السلطات.
النساء السودانيات، اللاتي كن يحلمن بمستقبل كريم لأبنائهن، أصبحن وقودًا لهذه الحرب، يدفعن ثمنًا باهظًا يشمل الاختطاف، الاغتصاب، والاستغلال، وفقًا لتقرير أعدته عائشة السماني لـ”مدنية نيوز” وشبكة إعلاميات.
رحلة البحث عن المفقودات: صرخات بين الركام
تتجسد المأساة في قصة السيدة سهام، التي وجدت نفسها تعيش كابوسًا مشابهًا لماضيها، ففي 26 يونيو 2023، فُقدت ابنتها رقية ذات التسعة عشر عامًا بعد أن غادرت منزلهما في أم درمان لجلب بعض الحاجيات ولم تعد حتى هذه اللحظة. تقول سهام: “منذ اختفائها، وأنا أبحث في كل مكان… قلبي يتقطع عليها. ذهبت إلى المساجد، ووزعت الإعلانات، وطرقت أبواب المستشفيات، والمشارح، والأسواق، خشية أن يكون قد حدث لها الأسوأ. ظننا أنها ربما أصيبت برصاصة طائشة، لكن لا أثر لها… لا خبر.”
لم تيأس سهام، فلجأت إلى قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، اللتين وعدتا بالمساعدة لكن دون جدوى. “لم نترك مكانًا لم نبحث فيه. ذهبت إلى كل زاوية، على أمل أن أسمع شيئًا عن ابنتي… لكن دون جدوى”، تؤكد سهام، التي ما زالت تواصل البحث مدفوعة بأمل لا ينطفئ، على غرار تجربتها السابقة في العثور على أسرتها بعد سنوات طويلة. قصة رقية الأليمة تم توثيقها في فيلم بعنوان “أين رقية؟” بدعم من منظمة “صيحة”.
أرقام صادمة وصمت الأسر
قصة رقية ليست استثناءً، بل هي واحدة من عشرات القصص لفتيات ونساء اختفين قسرًا. وفقًا لتوثيقات المبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي (صيحة)، تم تسجيل 291 حالة اختفاء قسري لنساء وفتيات وطفلات في الفترة من 15 أبريل 2023 وحتى يونيو 2025. وفي السياق ذاته، سجل المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام 123 حالة اختفاء، من بينها 7 حالات لقاصرات.
المحامي شوقي يعقوب من المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام، أوضح لـ”مدنية نيوز” أن المركز تمكن من التواصل مع أسر 39 من النساء المختفيات فقط. من جانبها، أفادت هديل جعفر من وحدة مكافحة العنف الجنسي بشبكة “صيحة”، أن أصغر ضحية تم توثيقها كانت رضيعة تبلغ من العمر 5 أشهر اختفت مع والدتها، بينما أكبرهن سيدة مسنة تبلغ من العمر 80 عامًا.
كما أشار مصدر مطلع في إحدى ولايات السودان إلى رصد 350 حالة اختفاء، معظمها لفتيات قاصرات تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عامًا. ورغم عودة 84 منهن، إلا أن العديد منهن كشفن عن تعرضهن لاستغلال جنسي وحشي وأذى جسدي شديد على يد قوات الدعم السريع، بحسب شهاداتهن.
تحديات الرصد والخوف من الوصمة
تواجه جهود توثيق حالات الاختفاء تحديات كبيرة بسبب انقطاع شبكات الاتصال، وتوسع رقعة الحرب، والتعتيم الإعلامي والمعلومات المضللة. كما أن التخوف من الوصمة الاجتماعية والعار، خاصة في المناطق الريفية، يؤدي إلى تستر على حالات اختفاء النساء والفتيات، مما يجعل البلاغات نادرة في كثير من الأحيان، ويفاقم من حجم الأزمة الحقيقية.
تقرير “صيحة” أشار إلى أن جمع البيانات يعتمد بشكل كبير على المصادر العلنية، مثل مبادرة “مفقود” ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن التحقق من هذه الحالات يواجه صعوبات بسبب عدم إمكانية الوصول إلى أرقام الهواتف، وتخوف الأسر من مشاركة المعلومات، وحذف المنشورات دون توضيح الأسباب، ما يعكس الخوف والوصمة.
أنماط الاختفاء القسري والاستعباد
أظهر تقرير “صيحة” نمطًا متكررًا من الارتفاع الحاد في حالات الاختفاء في الأيام والأسابيع الأولى التي تعقب غزو قوات الدعم السريع لمنطقة جديدة، وهو ما لوحظ أولاً في الخرطوم ثم في ولايتي الجزيرة وسنار. ففي الخرطوم، وقعت معظم حالات الاختفاء بين أبريل ومايو 2023، حيث اقتحمت قوات الدعم السريع المساكن، بما في ذلك داخليات الطالبات الجامعيات ومساكن النساء العازبات.
ومن القصص المأساوية التي أوردها التقرير، العثور على جثة هالة أحمد إسحاق يوم 28 مايو 2023 في سيارة نهبتها قوات الدعم السريع، مما يرجح أنها اختطفت قبل وفاتها. كما تحدث العديد من حالات الاختفاء أثناء محاولة النساء الفرار من مناطق الصراع أو أثناء أداء الأنشطة اليومية الروتينية، مثل قصة جهاد فضل الله سليمان ناصر التي اختفت أثناء بحثها عن دواء لابنها.
الأكثر إثارة للقلق هو التقارير المؤكدة عن إجبار النساء على العبودية القسرية من قبل قوات الدعم السريع في مواقع متعددة بالخرطوم وود مدني بولاية الجزيرة، حيث يتم احتجاز النساء في منازلهن وإجبارهن على الطهي والتنظيف وأداء خدمات أخرى لجنود القوات، مما يؤكد الانتهاكات الجسيمة والإهانة التي تتعرض لها النساء.
مطالبات بإجراءات عاجلة وتقاضي دولي
يسعى المركز الإفريقي لدراسات العدالة والسلام إلى تقديم الدعم القانوني والنفسي لأسر الضحايا، وينظمهم في مجموعات للمطالبة بحقوقهم. كما يلجأ المركز إلى الآليات الإقليمية والدولية للتقاضي الاستراتيجي، ويساعد الناجيات على رفع قضاياهن إلى هذه الجهات، متعاونًا مع لجنة الاختفاء القسري في الأمم المتحدة لمخاطبة الحكومات الأخرى.
ودعت شبكة “صيحة” في تقريرها إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لحماية النساء والفتيات المفقودات، والضغط من أجل خطوات ملموسة لتحديد أماكنهن، ووضع تدابير فعالة للحد من حالات الاختفاء القسري. كما شدد التقرير على ضرورة تحقيق العودة الفورية لجميع الأشخاص المفقودين، وخاصة النساء والفتيات، وإحالة الجناة إلى العدالة.
وأوصى التقرير بإنشاء شبكة من منظمات المجتمع المدني لتعزيز التوثيق الإلكتروني ودعم الأسر المتضررة، وزيادة الجهود العامة للحصول على معلومات حول أماكن وجود المختفين قسرًا. كما دعا إلى إنشاء أنظمة ومبادرات للحماية المجتمعية لتبادل المعلومات حول المناطق الخطرة ومتابعة عمليات البحث.
ختامًا، أكد التقرير على ضرورة تكثيف السلطات الحكومية لجهود التحقيق من أجل لم شمل العائلات، وتقديم الدعم اللازم، وإحالة الجناة إلى العدالة بما يتماشى مع الالتزامات الدولية. ودعا إلى الحصول على المساعدة من الهيئات الدولية ذات الصلة لرصد الحالات وتسليط الضوء عليها، مشددًا على أن مشاركة المجتمع المدني والجمهور يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في تخفيف الآثار المدمرة للاختفاء القسري وضمان حماية وتعافي النساء والفتيات في السودان.
= نقلا عن مدنية نيوز
Leave a Reply