بعد فوات الأوان

بقلم: د.أحمد الليثي
#ملف_الهدف_الثقافي

تجلس الذكريات على حافة القلب، كضيفٍ جاء متأخرًا بلا موعد، حاملًا حقيبةً من لو، ولو.. وليت..
كل الطرق التي لم نسرها، كل الكلمات التي لم تُقال، تتكدّس الآن في زحام الحسرات.
لا يعود الوقتُ أدراجه، ولا تعتذر الساعات عن قسوتها. فالندم ليس إلا مرآةً مكسورة، ترى فيها صورتك كما كان يجب أن تكون، لا كما صرت.

بعد فوات الأوان، ندرك كم كنا غافلين، كم ضيعنا من لحظات كان يمكن أن تكون خلاصًا. لكن الإدراك المتأخر لا يرمم الخراب، ولا يعيد الراحلين، ولا يحيي ما مات فينا.
نحاول أن نكتب رسالة في زمنٍ لم يعد فيه من يقرؤها، أن نصلح جرحًا رحل عنه الألم وبقي الأثر شاهدًا على التأخر.

فليكن هذا الندم، لا لعنةً نُجلد بها، بل درسًا يُضيء لنا ما تبقّى من الدرب. فالخسارات لا تنتهي، لكننا نستطيع أن نتعلم كيف نحب قبل أن نُحرَم، وكيف نقول قبل أن يُغلق الباب، وكيف نُصلح قبل أن يُقال: لا جدوى.

ذلك أن الحقيقة لا تنتظر أحدًا، والحياة لا تعيد اختباراتها. وليس الندم سوى اعتراف متأخر بأننا خفنا من أن نكون أحياء بحق.
أننا هربنا من حرية الاختيار، فاختار الزمن نيابة عنا. وحين نفيق لا نجد إلا أنفسنا في مواجهة سؤال الوجود القاسي: “ماذا فعلتَ بما كنت تعلم أنه كان يجب أن يكون؟”.

الندم، في جوهره، ليس على ما حدث، بل على ما لم يحدث، لأنك لم تملك الشجاعة أن تكون.
فلا تجعل فوات الأوان قبرًا لمعناك، بل بدايةً لتعيش، لا لتؤجل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.