
بقلم: عبد المنعم مختار
#ملف_الهدف_الثقافي
الرواية صنف أدبي فعال، يسلط الضوء على قضايا الناس والمجتمع، ويعكس دور الأدب والإبداع في تبني رؤية منصفة لإشكالات المجتمع. وكذلك فن الغناء، الذي لعب دورًا حيويًا في حياة الإنسان والمجتمعات، فهو ليس مجرد وسيلة ترفيه، بل هو تعبير عن المشاعر، أداة للتواصل، ووسيلة لنقل الثقافة والتراث، بأدواره المشهودة في تشكيل الهوية الثقافية للمجتمعات. بأحرف من ذهب سطر التاريخ أسماء فنانين ومبدعين وروائيين وكتاب؛ على مستوى العالم، كرسوا مواهبهم وإبداعاتهم لأجل قضايا إنسانية، فسطعت أسمائهم تحكي إسهاماتهم. من جامايكا برز نجم المغني العالمي بوب مارلي مدافعًا ومناديًا ومناصرًا لقضايا التحرر وحقوق المرأة. ومن إفريقيا عرف كل العالم المغنية مريم ماكبي وهي تشدو بالحرية والسلام والعدل والمساواة. وبريشته وتوقيعه انتشرت رسومات الكاريكاتيريست الفلسطيني ناجي العلي، داعمًا للقضية الفلسطينية ومنتقدًا لكل الأنظمة العربية ومواقفها السلبية، لكنه خلد الطفل حنظلة عاقدًا يديه وراء ظهره تعبيرًا عن سلبية الأنظمة العربية. ومن سوريا ذاع صيت دريد لحام بمسرحية “كأسك يا وطن”.. ولمعت أسماء كثير من شعراء ومغنين عرب، أبدعوا ودعموا قضية العرب المركزية، تحرير فلسطين من البحر للنهر.
في السودان، نذكر أمثلة لشعراء كان الوطن وقضايا شعبه هو مركز ثقل إبداعهم، منهم محمد المكي إبراهيم، محمد طه القدال، محجوب شريف، محمد الحسن سالم حميد، أزهري محمد علي، هاشم صديق، التجاني حسين دفع السيد، بابكر الوسيلة، حسن بكري، وغيرهم. وفي عالم الرواية كرس عدد من الكتاب وسلطوا الضوء على قضايا إنسانية، كقضايا العنصرية والرق والاستعباد. فنالت روايات “الجزار” للكاتب الأمريكي كورت فونيغوت، و”12 سنة عبدًا” للأمريكي سولومون نورثوب و”ابكِ أيها البلد الحبيب” للجنوب إفريقي الأبيض آلان باتون اهتمامًا كبيرًا لما فيها من فضح لممارسات العنصرية وتجارة الرقيق.
ومن أعظم الكتابات التي سجلها التاريخ؛ رواية الجذور للكاتب الأمريكي أليكس هيلي، والتي تعد من أشهر الروايات التي تناولت قضية تجارة الرقيق والاستعباد. استفاد هيلي من مذكرات مالكوم إكس بالإضافة لأبحاثه في التاريخ والثقافة الإفريقية الأمريكية، وأجرى بحثًا شاملاً في تاريخ العبودية في أمريكا وتأثيرها على الأفارقة الأمريكيين.
تتناول الرواية قصة اختطاف عائلة إفريقية وبيعهم كعبيد في أمريكا، وتسرد الرواية كيفية نضال الفتى كونتي للحفاظ على هويته الثقافية. الرواية كشفت فضائح العبودية والسخرة ودعت للحرية والسلام. ومن هنا لاقت اهتمامًا كبيرًا من قبل الصحف والمجلات الأدبية، وحصدت عدة جوائز.
ولرواية “الجذور” أهمية تجعلها لا تقرأ فقط كحكاية شخصية لعائلة، بل كمرآة للماضي ومفتاح لفهم الحاضر. تذكرنا بأن الحرية ليست مجرد قانون، بل وعي وهوية وذاكرة. وأن النضال ضد الرق يجب ألا يقتصر على التاريخ؛ بل يمتد ليشمل كل أشكال الظلم المعاصر؛ كالعمل القسري للأطفال، استغلال العمال المهاجرين، الإتجار بالبشر والزواج القسري. كان أليكس هيلي منذ طفولته مشغولًا بمعرفة سيرة آبائه وأجداده، كان الهدف عنده الوصول إلى جذوره الإفريقية وكيفية وصول أجداده لأمريكا التي وإن أصبحت له أرض الأحلام، لكنها نشأت بفضل سواعد المهاجرين وعلى الأخص منهم الأفارقة، وقد كان من حظ هيلي الجيد أنه ينتمي لدولة تعرف قيمة التوثيق منذ القدم، فحركات التجارة ورسو السفن وتجارة العبيد وتسلسل الملكيات كله موثق في دفاتر، وكلها موجودة في أرشيفات ولكنها فقط تحتاج إلى الجهد والدأب من أجل التقصي والربط، وهذا هو عين ما فعله أليكس هيلي وأسفر عن روايته أو بالأحرى ملحمته الخالدة (الجذور).
التي حاول هيلي خلالها تتبع تاريخ عائلته منذ أحد أجداده والذي يدعى كونتا كونتي والذي تم استعباده واستحضاره ليعمل كرق إلى الولايات المتحدة.
تناقش الرواية حقبة مهمة من تاريخ الزنوج، وهي حقبة تجارة الرقيق التي قادتها السفن من أدغال إفريقيا باتجاه مزارع قصب السكر والحقول في أوروبا وأمريكا، في أقذر تجارة شهدها العالم. بعد أن وطئت أقدام جده الأكبر كونتا كينتي سواحل أمريكا سنة 1776 م عبدًا اصطاده البيض، في موطنه إفريقيا، كما تُصطاد الحيوانات، وجيء به مع آخرين في رحلة طويلة مرهقة مات خلالها كثيرون عبر بحر هائج لم يرَ مثيلا له من قبل، استغرقت أكثر من أربعة أشهر، ليباع هو وأمثاله في مزاد علني بعد أن تُدهن أجسامهم لكي تلمع مثل أخشاب الآبنوس الجيد. لتبدأ مأساته على أرض الواقع دون بارقة أمل.
صدرت الرواية عام 1976، وترجمت إلى نحو 35 لغة وبيع منها أكثر من 50 مليون نسخة وأصبحت أساسًا لمسلسل تلفزيوني حمل نفس الاسم حقق نجاحًا منقطع النظير.
Leave a Reply