
بقلم: إحسان الله عثمان
#ملف_الهدف_الثقافي
قراءة انطباعية موجزة حول نص “مخاوف أُمي” للشاعرة أمل عمر، في ضوء التمثلات النسوية والاغتراب الوجودي
“كانت أمي تريدُ إبقائي بعيدًا عن كل شيء
عن الحب، الغرباء، الرجال، القصائد
عن كتبِ الفلسفة المثيرة للجدل
عن السياسة، لأنها شأنَ الرجال
عن كنتِها التي لا تحبها
عن ابن عمي الطامع في القُرب،
بنات الجيران سيئاتِ السمعة
عن الأشياءِ السرية التي تحدث بين امرأةٍ ورجل
عن التنوراتِ القصيرة
بناطيل الجلدِ و الحُمرةِ فاقعةِ الألوان
عن حبيبيَ الغريبِ مختلف القبيلة..
كنتُ سمكةً حائرة تجول في بحر مخاوفَ أمي..”
تعتبر مركزية الجسد الأنثوي في النصوص الأدبيّة ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تعكس التحولات في الوعي المجتمعي والثقافي تجاه المرأة ودورها في المجتمع.
يطرح النص النثري “مخاوف أُمي” اعترافًا موجزًا مشبعًا بالتوتر الشعوري والرمزي، في مساحة لغوية قصيرة، تُعيد رسم العلاقة داخل البنية الثقافية التقليدية..
العنوان “مخاوف أمي” بوصفه بنية دلالية يحمل مفارقة شديدة الرهافة، في هذا التوصيف ينهار الجدار بين الحب والسلطة، بين الرعاية والقيد.
التعداد كسياق للكبت الممنهج تنفتح القصيدة بجملة سردية: كانت أمي تريد إبقائي بعيدًا عن كل شيء” ومنها تتوالى المحظورات عبر صيغة تكرارية (عن..)، تبدأ من الحب والغرباء والرجال مرورًا بالقصائد وكتب الفلسفة والسياسة وصولًا إلى بنات الجيران، التنورات القصيرة، الحُمرة، وابن عمي الطامع والحبيب الغريب مختلف القبيلة..
بهذا التعداد تُشكّل القصيدة قائمة اجتماعية شبه جاهزة من محظورات الأنثى في الثقافة التقليدية ووصايا المجتمع على لسان الأم..
الحديث عن المظهر الخارجي (التنانير، البنطال الجلدي، الحُمرة الفاقعة) يحيل إلى مركزية “الجسد الأنثوي” كمنطقة صراع في خطاب السيطرة. فالتحكم في الجسد، عبر اللباس والمكياج والحركة، هو أول أشكال الهيمنة الثقافية التي تُمارس باسم الحب والحماية المجتمعية.
تنتهي القصيدة بصيغة تشبيهية عميقة حيث بحر المخاوف: “كنتُ سمكةً حائرة تجول في بحر مخاوف أمي..”، السمكة كائن يرمز للحرية والانسياب والذاتية تصبح حبيسة في “بحر” متخيل قلق، صنعته الأم بدافع الحب. صورة تختزل المأزق الوجودي للمتكلمة، تُظهر إدراكها للقيود دون أن تعلن تمردًا صريحًا، بل حسرة مُبطّنة لا تُدين الأم وتترك الإجابة مفتوحة..
النص يُقارب أطروحات الأدب النسوي الذي يشتغل على تفكيك خطاب السلطة الناعمة والنقد الضمني، في تجسيد عميق لواقع اجتماعي يعيد إنتاج نفسه عبر الحب والأمومة.. القصيدة تطرح صراعًا ودوامة من الحيرة بين الحنين والحرية.. رمزية صوت الأم وصوت الذات القلقة المرهفة..
أبو ظبي، يوليو 2025م
Leave a Reply