المغترب.. قشة في مهب الحرب

بقلم: د.سلمى نايل

#ملف_الهدف_الثقافي
في الغربة، لا أحد يسمع بكاء القلب، ولا أحد يرى العرق المتساقط من جبين مغتربٍ أرهقته الحياة، وسحقته الحرب من بعيد.
هو هناك، في بلاد لا تعرف طعم الخبز الحاف ولا صفوف الرغيف، ينهض كل صباح بثقل همٍّ لا ينوء به الجبل، لا لشيء، فقط لأن الحرب قررت أن تحوّل أهل بلاده إلى مشردين، وأحبابه إلى عالة عليه دون ذنب.
المغترب اليوم لا يعيش لنفسه، بل يعيش لثلاثة أو أربعة منازل دفعة واحدة: بيت أهله في الوطن، بيت أخت نزحت بأطفالها، بيت أخ دُمرت سبل رزقه، وربما بيت أرملة شهيد أو أمّ مكلومة لم تجد من يعينها إلا “ولدها في الغربة”.
كم من مغترب صار “بنك طوارئ”، راتب لا يكفي نصف الحاجات، ورسائل لا تنقطع: ولد خالك مريض، جارنا محتاج، الناس في المعسكر جعانة، خالي عاوز يطلع بي أولادو.. وهو هناك، بين لسانه الذي يترجى المسؤولين لزيادة ساعات العمل، وقلبه الذي يتقطع على بلاده التي تشتعل.
إنه لا ينام إلا وفي قلبه خريطة السودان. يعرف أسماء المناطق التي قُصفت، وعدد النازحين، والطرقات التي لم تعد آمنة. وحين يبتسم في صور المناسبات، فاعلم أن خلف الابتسامة قهرٌ طويل، ومكابرة لا يتقنها إلا من أدمن التضحية بصمت.
يا أهلنا في الوطن، رفقًا بالمغتربين. هؤلاء ليسوا أثرياء كما تتوهمون، بل هم جنود مجهولون على جبهة لا صوت لها، يدفعون من أعمارهم، ويكابدون من أرواحهم، حتى تظل الحياة تسير ولو على عكاز.
أيها المغترب، أيها الغريق الصامت.. صبرًا، فالله يرى، والوطن يومًا سيذكر من بذل له وهو بعيد، وكما يتذكر الشهداء في ساحات المعركة، سنذكرك أنت، في قوائم الشرف، أنت الذي قاتلت بأعصابك ومالك وقلبك، دون أن تطلق رصاصة واحدة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.