
بقلم: محمد سعيد
#ملف_الهدف_الثقافي
بمثل ما أن الفنون والرقصات الشعبية تشكّل عنوانًا لثقافة كل منطقة وإرثها التاريخي والثقافي، فإن السودان يشتهر بتنوع ثقافاته وبيئاته، وهذا التنوع خلق منه إنسانًا مختلفًا ومتميزًا في كل شيء. والرقصات السودانية عبارة عن قوالب موسيقية غنائية إيقاعية متحركة، تأتي تعبيرًا عن الأفراح والمعتقدات والمناسبات الاجتماعية. ويرتبط الرقص والغناء في السودان بالبيئة، فرقصة البيئة الصحراوية تختلف عن رقصة السافانا الفقيرة، وتختلف عن رقصة السافانا الغنية وتختلف عن رقصات المجموعات النيلية، وهنالك اسم مشترك للرقص في كل أنحاء السودان تقريبًا وهو ما يعرف بالـ(اللعب). في المساحة التالية يستعرض مدير مركز الموسيقى التقليدية السودانية، والأستاذ المحاضر بمركز دراسات ثقافة السلام بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، د. دفع الله الحاج، بعض الرقصات السودانية الشهيرة مع شرح مبسط لتفاصيلها.
رقصة “الكمبلا”:
في منطقة جبال النوبة التي تقع في ولاية جنوب كردفان غرب السودان يقومون بمحاكاة “الأبقار” في رقصهم، والكمبلا من أشهر الرقصات في جنوب كردفان وتصحبها قصة أسطورية تقول إن أحد المزارعين من منطقة جبال النوبة جاءه صوت خفي يطلب منه أن يذبح ثورًا ويربط قرنيه في رأسه ثم يمسك بسوط ويضرب به الفرسان. لتنتشر الرقصة بصورة كثيفة حتى ارتبطت بمقولة شهيرة في موسم الحصاد عندما ينادي الفرسان على بعضهم: “لا تستطيع أن تأكل الذي حصدته إذا لم ترقص الكمبلا”. وهناك رقصات أخرى مرتبطة بالحصاد في المنطقة كرقصة “الكوني نر” المرتبطة بمباركة الحصاد في شهر أكتوبر، وفي هذا الموسم يكثر الفرح ابتهاجًا بالخير الوفير. وجبال النوبة هي منطقة ذات طبيعة ساحرة تغطي فيها المرتفعات منطقة عرضها حوالي 40 كيلومترًا وطولها حوالي 90 كيلومترًا، وارتفاعها حوالي 1500 مترًا، تكسوها الخضرة بالكامل في معظم فصول السنة وتتميز بالمراعي الطبيعية حيث يصل مدى الأمطار المتساقطة فيها حوالي 400 إلى 800 مليمتر، وهو الأمر الذي شجع على النشاط الزراعي وتربية المواشي التي تسهم في تغذية صادر الثروة الحيوانية الذي يتميز به السودان.
رقصات دارفور:
وفي منطقة دارفور غرب السودان هنالك رقصات مثل “الغزالة الشاردة”، وبها وصف للفتاة، ويتم في هذه الرقصة القفز من قبل البنات ولها دلالات “يتم لقاء بين البنت والولد ليحصل الإعجاب والتوافق وبعدها تتم مراسم الزواج”، وهذا يختلف من منطقة لأخرى، وفي رقصة “الغزالة الشاردة” تقفز البنت عاليًا خلال الرقص لتدلل على أنها عذراء وغير حامل، وتلتفت لها الأنظار، وحلقات الرقص بها بداية لحياة جديدة بين اثنين لتكتمل بالزواج، وهنالك رقصات أخرى لدى الفور مثل “الكاتم” و”السنجك” و”العريج” و”الدينارية” التي ارتبطت بالسلطان علي دينار سلطان الفور. وفي دارفور أيضًا هنالك رقصات “الرزة” و”القيدومة” و”النقارة” و”قدم الحمام” و”العنقالي” و”المنضلة” و”الزاح” و”الهرمة” عند الرزيقات، و”الربة” عند الجوامعة، و”البوردي” في شرق دارفور عند الداجو، و”الجمل رقد” إيقاع وله رقصة الولي ورقصة “الأنجليلة” عند المساليت. ويتم فيها القفز عاليًا وهي عبارة عن استقبال للحفلة.
رقصات النيل الأزرق:
وفي ولاية النيل الأزرق الواقعة في الجزء الغربي للسودان هنالك رقصة مشهورة اسمها “الوازا”، وهنالك رقصة “الكلس” في الحدود المتداخلة في منطقة بني شنقول بين إثيوبيا والسودان، وهنالك رقصة اسمها “التمبك” وتقوم بغنائها الحكامات، وهي خاصة بقبائل الفونج، ورقصة “الباتمتم” و”الباتنجو”، وهي رقصة تقوم بها مجموعة القمز في منطقة النيل الأزرق في موسم الحصاد، والجرهنبول “الهمج” والامدقا والهبنبون والابنبون والطيلي والكتر والجالك، وكلها رقصات تمارس في مناطق النيل الأزرق احتفالًا بالحصاد.
رقصات شمال السودان:
في شمال السودان ينتشر إيقاع “الدليب”، الذي بدأ برقصات “الرترتو”، وإيقاع النقارة فقط ومن ثم دخلت “آلة الربابة”، والرقصة تكون من قبل امرأة واحدة ومجموعة من الرجال، وتظهر هنا مهارة المرأة في الرقص، وهذه الرقصة لها دلالاتها الاجتماعية وهي مرتبطة بقوة الرجل ومهارة المرأة، والنوبيون لديهم آلة اسمها “الكسك”، ويرقصون فيها رقصة “الكومباك”، وهي رقصة الحلفاويين المعروفة بالـ “الجابودي”، تلك الرقصة النوبية المعروفة، إضافة إلى رقصة السيرة، ورقصة “الصقرية” عند الجعليين والبطاحين، وبها دراما تمثل الصقر و”الفريسة”، والصقر الأقوى هو الذي يفوز بأكلها.
رقصات الشرق:
وفي شرق السودان هنالك رقصة اسمها “السيسعيد”، وتعني موج البحر، وهي عند قبائل البني عامر، وتظهر جمال شعر المرأة لأنها ترقص بالشعر بطريقة معينة، وإيقاعها مشابه لإيقاع السيرة، ورقصة “السيف” و”الواندوب” وتعزف بالربابة الباسنكوب بضربات معينة، وهي خاصة بمجموعات وأسر، وكل مجموعة لها ضربات معينة ولا تستطيع مجموعة تقليد رقصة مجموعة أخرى “مثل السلام الجمهوري”، والبيبوب عند البجة، واللكويت ورقصة السماكة.
(62) رقصة:
يقول د. دفع الله الحاج: لم يتم حصر كل الرقصات السودانية لصعوبة ذلك، لكننا حصرنا (62) إيقاعًا ورقصة، وقد تم ذلك عبر البحوث والدراسات، وكل يوم نكتشف أن هنالك إيقاعًا لم يكن معروفًا، واستطعنا أن ننقل المعلومات عن هذه الرقصات من شفاهية إلى وثائق مكتوبة، جمعناها بمناهج البحث المعروفة لأن العلمية هي التي تطور الأشياء، وقد عملنا على جمع المعلومات عن هذه الرقصات عن طريق البحث “الشاهد الجماعي” باعتبار أن المعلومة التي يجمع عليها الناس هي المعلومة الصحيحة، وأغلب المعلومات عن الكثير من الرقصات فقدت لأنها كانت موجودة في رؤوس كبار السن في المجموعات القبلية، ولم يتم التوثيق لها.
Leave a Reply