“هوية للبيع”… مأساة السودانيين في القاهرة بين غياب الدولة واستغلال الحاجة

#الهدف-تقارير

#الهدف – القاهرة

في زحام شوارع القاهرة، وتحديدًا في الأحياء التي تعجّ بالسودانيين الهاربين من جحيم الحرب، تتردّد حكايات موجعة عن فقدان الهوية، وانسداد الأفق، ومواطَنة تُباع بـ (٨ آلاف جنيه مصري) تحت لافتة “رسوم الجواز”.

يعيش الآلاف من السودانيين في مصر اليوم في واقع بالغ القسوة، لا لأنهم ارتكبوا جريمة، بل لأن الحرب شردتهم، والدولة تخلت عنهم، والسفارة – التي يُفترض أن تكون بيتهم – أغلقت أبوابها، وأحالتهم إلى طوابير من الذلّ والعجز.

الوثيقة… سلعة لا حق

“الجواز ليس رفاهية، بل هوية وكرامة”… هكذا بدأ أحد السودانيين المهجرين رسالته إلى سفارة السودان بالقاهرة، موجّهًا نداءً حارقًا إلى السفير والقنصل وكل من “يقبض راتبه من اسم الوطن ثم يدير ظهره لمواطنيه”، على حد تعبيره.

تُفرض اليوم رسوم استخراج الجواز السوداني في مصر بما يعادل 8,000 جنيه مصري، وهو مبلغ يفوق قدرة غالبية السودانيين الذين فقدوا منازلهم وأعمالهم ويعيشون على الكفاف. ويتساءل الكثيرون: كيف يُطلب من نازح فقد كل شيء أن يدفع هذا المبلغ؟ هل صار إثبات الهوية تجارة رسمية؟

“مواطنون بلا أوراق”… آلاف في الظل

أعداد كبيرة من السودانيين في القاهرة – بينهم مرضى، نساء، أطفال، وطلبة – لا يملكون جوازات سفر. بعضهم انتهت صلاحيتها، وبعضهم فقدها أثناء الهروب، وآخرون لم يتمكنوا من تجديدها بسبب الرسوم العالية والإجراءات المعقدة. هؤلاء يعيشون بلا هوية رسمية، وكأنهم “أشباح قانونية”، معرضون للاعتقال، ومحرومون من التنقل والعلاج والعمل والتعليم.

سفارة بلا طوارئ… وطن بلا مسؤولية

بدلًا من أن تكون السفارة ملاذًا لمواطنيها، تحوّلت – وفق شهادات متطابقة – إلى عبء إضافي. لا لجنة طوارئ، لا دعم، لا إعفاءات إنسانية. حتى استخراج الهوية “بدل فاقد” يتطلب معاناة إدارية وأوراقًا لا يمتلكها من فقد كل شيء.

يتحدّث أحدهم للهدف:

> “ذهبنا للسفارة، طلبوا أوراقًا ومستندات نعرف نحن وهم أننا لا نملكها. ثم أعادونا من حيث أتينا… كأننا لسنا بشرًا.”

الكرامة أولًا… والمحاسبة قادمة

النداء الذي وجّهه أبناء السودان في مصر للسفارة لم يكن طلبًا للإحسان، بل مطالبة صريحة بالحق، بالتعامل الإنساني، وبالحد الأدنى من واجب الدولة تجاه أبنائها. وقد جاء في ختام الرسالة:

> “نقولها بوضوح: هذا الوضع غير مقبول. وهذا الصمت الرسمي خيانة. وحين تُغلق الأبواب ويُسحق الإنسان تحت عجلة الإهمال، فالتاريخ لا يرحم.”

“الهدف” تسأل وتطالب

لماذا لا تخفّض رسوم الجوازات بما يتناسب مع واقع النازحين؟

أين دور السفارة والقنصلية في تقديم العون القانوني والطبي والإنساني؟

لماذا تُرك السودانيون في مصر فريسة للتشرد، والابتزاز، والذل، باسم “الرسوم القنصلية”؟

إن ما يحدث ليس قضية إدارية، بل جريمة سياسية وإنسانية بحق مواطنين مكلومين، دفعوا ثمن الحرب، ثم فُجعوا بهوانهم أمام مؤسسات بلادهم.

ولأن “الهوية” ليست ورقة، بل كرامة… فإن الصمت عنها تواطؤ، والتهاون في استردادها خيانة.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.