حين تتوعّك الكلمة: أشرف عبد العزيز… همس الحياة بنداء أخير

القاهرة: الهدف

في زمنٍ فقد فيه الوطن اسمه، وتاهت الجغرافيا بين نزيف النيل وصمت الموانئ، يقف الصحفي أشرف عبد العزيز على حافة الغياب، لا يطلب الكثير… سوى أن تمنحه الحياة فرصة أخيرة، لا ليعيش فقط، بل ليواصل الكتابة.

أشرف عبد العزيز الذي ظلّ يوقظ الصحف كل صباح بكلمة، ويشيّع الأكاذيب إلى مثواها الأخير. ذلك الذي لم يُقايض ضميره، ولم يبع قلمه في أسواق الخوف…

هو الذي وقف وحده، كثيرًا، في مواجهة عواصف السلطة، يكتب بما يشبه الحياة، ويُحب بما يشبه الوفاء.

أشرف، الذي اعتاد أن ينقذنا من عتمة الأخبار الكاذبة، يحتاج الآن أن ننقذه من عتمة الألم.

فشل كلوي كامل أنهك جسده، والأطباء قالوا كلمتهم: “زراعة عاجلة لكليته في القاهرة… وتكاليف تقف عند ستين ألف دولار أمريكي”..

ليكون أشرف بينه وبين الحياة جدار من العملة… لا من المعنى.

يا من قرأتم له، أو سمعتم صوته بين سطور “الجريدة”، يا من آمنتم أن الكلمة قد تهزم دبابة،

وأن الوطن لا يُكتب بالنشيد فقط، بل بمن يرفض أن يسكت…

هذا نداء من الحبر إلى الحبر، من ضوء المطبعة إلى ضوء القلب: لا تتركوا أشرف يذبل في صمت كما تذبل البلاد، لا تسمحوا للحبر أن يُصفّى في كليتيه، كما صُفّيت الحقيقة في وطنٍ بائس.

هو ليس مجرد مريض ينتظر التبرّع، بل ذاكرة وطن تمشي على قدمين، وحين تتوقف قدماه، تتوقف ذاكرة كانت تكتبنا كل يوم.

أشرف لم يمرض فقط، بل مرِضت الكلمة في غيابه، واعتلت المواقف، وأُدميت الأوراق، وسقطت الأسئلة في فخ الصمت.

يا من تبقّت فيكم نُدبة من ضمير… ويا من لم تبتلعكم السلطة، ولا داخت بوصلتكم في زحمة النفاق…

ساهموا، لا لتسديد فواتير الطب، بل لتسديد دين الحبر علينا جميعاً.

ساهموا، لأنكم تعرفون أن المبدعين لا يملكون حسابات مصرفية، وأن أشرف، حين كتب، لم يكن يعرف ما إذا كان سيمرض يومًا…

لكنه كان يؤمن أن هناك من سيتذكّره إذا مرض.

ساهموا، ليس منّةً، بل لئلا نموت كلنا، إذا مات الذين يكتبون عنا بصمت.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.