
بقلم: أ. خالد ضياء الدين – أ. ماجد الغوث- أ. طارق عبد اللطيف أبو عكرمة- أ. أمجد أحمد
مقدّمة
ليس الاستقلال، في جوهره، لحظة قانونية تُدوَّن في سجل السيادة، ولا مجرد وثيقة تُوقَّع باسم الوطن، بل هو لحظة وعي تاريخي، يتكثّف فيها الجرح والكرامة، وينهض فيها الحُلم من تحت الركام، متجسدًا في الإرادة الجمعية لشعب قرر أن يكون. إنّ الاستقلال الحقيقي لا يبدأ من إعلان سياسي، بل من اندفاع جماعي نحو تحرير الذات، وامتلاك المعنى، والانعتاق من الوجود المعلّق بين التبعية والانتماء.في الحالة السودانية، لا يمكن اختزال تجربة الاستقلال في حدث 1956 فحسب، بل هي تجربة تمتد على مدار أكثر من نصف قرن، بدأت مع مطلع القرن العشرين، حين بدأت الأسئلة تتكاثر حول الوطن والهوية والمستقبل. السودان، وهو يخوض غمار تحرره الوطني في سياق استعمار ثنائي معقّد (إنجليزي–مصري)، لم يكن جزيرة منعزلة، بل كان نقطة التقاء بين صراعين حضاريين: إفريقي وعربي، بين ذاكرة المقاومة (المهدية) وأفق الدولة الحديثة، بين الجغرافيا السياسية والانتماء الثقافي.وهكذا، تحوّل السودان إلى مختبر فريد لفهم العلاقة المتوترة بين مفهومي “الدولة” و”الأمة”، وبين “الاستقلال الوطني” و”التحرر القومي”. ومن هنا تنبع أهمية إعادة النظر في لحظات التأسيس الكبرى: ثورة اللواء الأبيض عام 1924، التي شكّلت أول تمرد مدني–عسكري على الحكم الاستعماري، لا كاحتجاج سياسي فقط، بل كانت تعبيرًا مبكرًا عن ولادة ذات وطنية حداثية. ثم جاءت لحظة اللقاء التاريخي مع الفكر القومي العربي في دمشق عام 1947، لتعيد توطين السودان في سياقه العروبي الأشمل، وتمنح مشروع الاستقلال بُعدًا يتجاوز الجغرافيا، نحو وحدة المصير.هذه الورقة إذن لا تسعى إلى إعادة سرد تاريخ الاستقلال كوقائع، بل إلى إعادة تأويله كمفهوم تاريخي–فلسفي–اجتماعي، يتقاطع فيه النضال السياسي مع جدلية الانتماء، ويتجدد فيه سؤال: كيف نكون وطن؟ وكيف نؤسس لاستقلال لا ينتهي عند حدود الأرض، بل يطال بنية الوعي، وشكل الدولة، ومضمون الهوية؟بهذا المنظور، نقرأ تاريخ السودان لا كدولة منفصلة، بل كحلقة نضالية في سلسلة عربية واسعة، من بغداد إلى دمشق، ومن القاهرة إلى الجزائر، لنعيد التذكير بأن “الاستقلال” في الفكر القومي ليس فقط التخلص من المستعمر، بل هو إعادة بناء الإنسان العربي في صورته الحرة، الموحدة، المنتجة، الواعية.إن هذا التفاعل المعقد بين الإرث الوطني والتطلعات القومية لا يمكن فهمه بمعزل عن السياقات التاريخية والاجتماعية التي تشكّل فيها وعي السودانيين تجاه الذات، والدولة، والانتماء العربي الأشمل. ولذا، تسعى هذه الورقة إلى تحليل المراحل الحاسمة التي مهّدت لاستقلال السودان، ليس فقط كتحرر من الاستعمار، بل كتمرين على إدراك الذات الوطنية ضمن الفضاء العربي الكلي. وعليه، تنقسم هذه الورقة إلى خمسة محاور مترابطة: أولًا، الاستعمار الثنائي وأزمة الهوية الوطنية؛ ثانيًا، ثورة اللواء الأبيض وميلاد الوعي القومي؛ ثالثًا، الجيش والولاء المزدوج وسؤال السيادة؛ رابعًا، اللقاء مع حزب البعث وولادة المشروع القومي السوداني؛ وأخيرًا، تأمل نقدي في مفهوم الاستقلال بوصفه مشروعًا مفتوحًا لا ينتهي عند إعلان السيادة، بل يبدأ منه.
أولًا: الاستعمار الثنائي وأزمة الهوية الوطنية (1899–1924)
عقب سقوط الدولة المهدية في معركة كرري عام 1898، لم يكن ما أعقبها مجرّد احتلال كلاسيكي، بل تأسيس لما يمكن وصفه بـ “الاستعمار المقنّع” أو “السيادة المؤجّلة”، حيث تم فرض نظام الحكم الثنائي الإنجليزي–المصري في عام 1899 بموجب اتفاقية دولية صُممت بدهاء قانوني يموّه الحقيقة السياسية ويمنح بريطانيا اليد الطولي دون أن تتحمل مسؤولية استعمار مباشر.جاء الحكم الثنائي بوصفه تسوية استعمارية هجينة: سلطة تنفيذية بريطانية فعلية تستظل براية السيادة المصرية الاسمية، ما أفرز مفارقة قانونية–سياسية عميقة: كانت مصر نفسها تحت الاحتلال البريطاني، بينما تُقدّم كـ “شريك” في إدارة السودان، ما أوجد حالة من الغموض البنيوي في مفهوم السيادة الوطنية. هذه الصيغة المصطنعة عمّقت أزمة الهوية لدى النخب السودانية الناشئة، التي وجدت نفسها تعيش في وطن تحت وصايتين، لا تحت سيادة.اعتمد النظام الثنائي على ثلاث أدوات رئيسة لإحكام قبضته: البنية الإدارية المركزية، والسيطرة على الموارد والتعليم، وجهاز الدولة الأمني. فتم تعيين “الحاكم العام” البريطاني ممثلًا أعلى للسلطة، تحته جهاز إداري صارم استُجلب جزء كبير منه من بريطانيا نفسها، مع استخدام محدود للنخب المحلية في وظائف دنيا، فيما عُرف لاحقًا بـ “السودنة البيروقراطية المؤجلة”.على صعيد التعليم، تأسّست كلية غردون التذكارية عام 1902 بوصفها مؤسسة نخبوية بامتياز، تُنتج فئة صغيرة من المتعلمين المرتبطين ذهنيًا بنظام الإدارة الاستعمارية. لم يكن هدف التعليم بناء وعي وطني مستقل، بل صناعة موظف مطيع يملأ الفراغات الإدارية لنظام لا يرغب في التوسع المادي الباهظ، ويُبقي السلطة الفعلية في يد الأوروبيين. من هنا بدأت تتكوّن نخبة وسطى “متفرنجة”، تمارس المراسلات الرسمية بلغة المستعمر، وتتلقى قيمه، لكنها في عمقها العاطفي ظلت تحمل توترًا داخليًا بين انتماءين: الانتماء لوطن مأزوم، والانتماء لثقافة القوة القاهرة.أما الجهاز الأمني فكان الأداة الصلبة التي تحرس النظام: ضباط بريطانيون، شرطة محلية، قوانين عرفية، رقابة صارمة، ومحاكم إدارية ذات طبيعة تسلطية. وقد سُحقت أي محاولة احتجاج أو تمرد بعنف مفرط، ما جعل المجال السياسي خانقًا ومغلقًا أمام التعبير الشعبي المنظّم.لكن رغم هذا القمع، لم يكن المجتمع السوداني ساكنًا. إذ بدأت، في دهاليز كلية غردون ونوادي الخريجين، وفي مدن الطبقة الوسطى الناشئة مثل أمدرمان والخرطوم، تتبلور أولى ملامح ما يمكن تسميته بـ “الوعي الوطني المكبوت”. ظهرت الجمعيات الثقافية والأندية الاجتماعية، ونشأت محافل النقاش، وتدفّقت الصحافة المصرية القومية على المثقفين المحليين، فبدأت تتكون خيوط دقيقة من إدراك الذات كمجتمع محتل لا تابع، وشعب له قضية لا وظيفة.في هذا السياق نشأت أزمة الهوية الوطنية الأولى في السودان الحديث. فالسوداني المتعلم وجد نفسه في موقع مزدوج: يتلقى التكوين العقلي عبر مؤسسات استعمارية، لكنه يستيقظ على واقع طبقي-ثقافي لا يمنحه اعترافًا سياسيًا، ما دفعه إلى طرح السؤال الجوهري: من نحن؟ هل نحن امتداد لمصر؟ أم مشروع قومي مستقل؟ هل العروبة رابطة طبيعية أم فرض خارجي؟ وما موقع الإسلام والخصوصيات الثقافية في هذا المشهد؟لقد كانت تلك المرحلة، إذن، مرحلة تبلور بطيء ومركّب لهوية وطنية هجينة، لم تتبلور بعد كتصور سياسي متكامل، لكنها حملت في أحشائها بذور التمرد القادم، الذي سينفجر لاحقًا في حركة اللواء الأبيض، كأول تمثّل عضوي لمطالب الكرامة الوطنية والتحرر الحقيقي، لا من البريطاني فقط، بل من المعنى المُفرغ للهوية الوطنية التي حاولت القوى الاستعمارية صناعتها.
ثانيًا: اللواء الأبيض وثورة 1924: الجيش والوعي القومي المبكر
في سِجلّ التاريخ الوطني السوداني، تُمثّل ثورة 1924 لحظة مفصلية لا تُقاس فقط بميزان الحدث السياسي، بل بما تنطوي عليه من تحوّل نوعي في البنية الذهنية للذات الوطنية. فقد كانت ثورة اللواء الأبيض، التي انطلقت بقيادة الضابطين علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ، أول تمظهر لوعي وطني حديث يتجاوز التجزئة القبلية والطائفية، ويجترح فعلًا تحرريًا جامعًا ينبثق من داخل المؤسسات ذاتها التي أنشأها المستعمر.كانت جمعية اللواء الأبيض، وريثة جمعية الاتحاد السوداني، نتاجًا لتحوّل في بنية النخبة السودانية، تلك التي خرجت من رحم التعليم الاستعماري، لكنها تمردت عليه. قادتها، من ضباط وجنود درسوا في المدارس العسكرية التي أسسها البريطانيون، لم يكونوا مجرد ضحايا لبنية استعمارية، بل فاعلين واعين اختاروا أن يُعيدوا توجيه معارفهم وانضباطهم العسكري نحو غاية مناقضة تمامًا: مقاومة المحتل ذاته الذي أنشأ مؤسساتهم.وهنا تتجلّى المفارقة الجوهرية: إنّ الثورة لم تخرج من هوامش المجتمع، بل من قلب مؤسساته، من رحم الطاعة، لتكون لحظة التمرّد النبيل. في ذلك تتجلّى الحقيقة الفلسفية العميقة: أنّ الوعي ليس تابعًا للمؤسسة، بل لإرادة المعنى. فالتعليم الذي أريد له أن يُنتج وكلاء للإدارة الاستعمارية، أفرز بدلًا من ذلك طليعة وطنية مسيّسة، أحالت المعرفة إلى مقاومة، والانضباط العسكري إلى سلاح للتحرر، بدلًا من أن يكون أداة لضبط المستعمَرين.وبالتحليل السوسيولوجي، فإن هذه الثورة تمثل ميلاد ما يمكن تسميته بـ “الوطني الحداثي” – نموذج جديد من الفاعل السياسي، يمتلك وعيًا مركبًا يجمع بين التكوين الحديث والانتماء الشعبي، وبين المهارة التنظيمية والرؤية القومية. لقد خرجت الثورة من رحم ما بعد التقليد، وعبّرت عن جيل بدأ يطرح سؤال الانتماء خارج ثنائية الطائفة والعشيرة، ويرى الوطن باعتباره فضاءً سياديًا جامعًا، لا غنيمة لأحد.علي عبد اللطيف – وهو من أصول أفريقية جنوبية – لم يكن مجرد ضابطٍ عادي، بل كان تجسيدًا حيًا لفكرة المواطن السوداني الجامع، الذي يذيب الفوارق الإثنية لصالح مشروع وطني يعلو فوق التركيبة الاجتماعية التقليدية. وقد تجلّى ذلك في مذكرته الشهيرة “مطالب الأمة” التي قدّمها عام 1924، والتي تضمنت مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية، تُنبئ بوعي سياسي سابق لعصره، وبتصوّر للسودان ليس فقط كمجتمع تحرري، بل كعضو فاعل في محيطه العربي والأفريقي.أما عبد الفضيل الماظ، فقد تحوّل إلى أيقونة للبطولة الوطنية، ليس فقط بمقاومته المسلحة في وجه القوات البريطانية بعد اغتيال السير لي ستاك، بل بإصراره على أن تُترجم الجندية إلى التزام أخلاقي تجاه الوطن، لا إلى ولاءٍ تقني للمستعمر. لقد مثّلت لحظة استشهاده فوق مدفعه داخل المستشفى العسكري تجسيدًا دراميًا لفكرة أن الجندية ليست رتبة، بل رسالة.وهكذا، فإن ما ميّز ثورة 1924 لم يكن فقط البعد العسكري أو الرمزية الفدائية، بل كونها أول تعبير عضوي عن انبثاق وعي قومي سوداني معاصر، يستلهم قيم التحرر والاستقلال، ويضع نفسه في تماسٍ مباشر مع السياق العربي الأوسع، كما تجلى في تواصل بعض قيادات الحركة الوطنية لاحقًا مع رموز الفكر القومي العربي – لا سيما في دمشق وبغداد – بحثًا عن بعد وحدوي ينقذ السودان من التجزئة التي فرضها الاستعمار تحت لافتة الحكم الثنائي.بذلك يمكن القول إن ثورة اللواء الأبيض كانت مولدًا لوعي وطني جديد، ومُختبرًا مبكرًا لفكرة الدولة المستقلة، التي لا تستمد شرعيتها من رضا المستعمر، بل من انبعاث الشعب نفسه كفاعل تاريخي. صحيح أن الثورة أُجهضت بالقمع، وأن قيادتها سُحقت عسكريًا، لكنها، على المستوى الرمزي، فتحت بوابة النهوض، ورسّخت في الذاكرة الجمعية أن الاستقلال ليس منحة، بل يُنتزع حين تتوحد الإرادة مع الرؤية، وتتحوّل الجندية من وظيفة إلى مشروع للتحرير.
ثالثًا: الجيش والاستقلال: الولاء المزدوج وسؤال السيادة (1925–1956)
لم يكن تأسيس “قوة دفاع السودان” عام 1925 مجرد قرار تنظيمي لتأمين فراغ أمني بعد أحداث ثورة 1924، بل كان فعلًا استعماريًا مركّبًا، يستبطن محاولة مزدوجة: من جهة، خلق واجهة سودانية محلية للسيطرة العسكرية؛ ومن جهة أخرى، ضمان استمرار التبعية الاستراتيجية لبريطانيا، عبر إعادة تشكيل الجندية على أسس وظيفية تخدم أغراض الاحتلال، ولكن بأيدٍ محلية.ومن هنا، وُلدت معضلة “الولاء المزدوج”، وهي معضلة وجودية قبل أن تكون سياسية أو تنظيمية. لقد ارتدى الجندي السوداني زيًا وطنيًا في الظاهر، لكنه ظل طيلة العقود الثلاثة اللاحقة يتلقى أوامره من سلطة استعمارية أجنبية، ويتحرك وفقًا لتقديرات ليست وطنية بالضرورة. كان الجيش، بهذا المعنى، أداةً استعمارية تُنقذ الاستعمار من عبء الاحتلال المباشر، وتُشرعنه في هيئة “سودانية” توهم بالسيادة، لكنها مفرغة من المضمون الوطني.هذا التكوين المركب ولّد في بنية الجيش ما يمكن تسميته بـ “التمزق الهادئ” في وعي الجندية. فلم يعد الانتماء إلى المؤسسة العسكرية تعبيرًا خالصًا عن الوطنية، بل أصبح مشوبًا بالالتباس، لا سيما عندما تتصادم الأوامر مع الضمير، أو عندما يُطلب من الجندي أن يشارك في قمع شعبه، أو أن يخوض معارك لا تتصل بوطنه، كما حدث حين زُج بجنود قوة دفاع السودان في حروب المستعمر العالمية في ليبيا وإريتريا وإثيوبيا باسم “العرش البريطاني”.وفي السياق الفلسفي، يمكن القول إن هذه المرحلة قد كشفت عن “مشكلة الأصل” في التكوين المؤسسي للجيش السوداني. فالمؤسسة التي لا تولد من رحم الإرادة الوطنية الحرة، تظل مهددة بأن تتخذ أشكالًا سياسية لا تعبّر عن المجتمع، بل تُكرّر نماذج الاستبداد، ولو بشعارات وطنية. وهو ما حدث بالفعل لاحقًا، حين تحوّل الجيش إلى فاعل سياسي يتجاوز وظيفته المهنية، ويطالب لنفسه بحق الوصاية على الدولة والمجتمع.تجلّت أولى ملامح هذا التحوّل المبكر في محاولة الانقلاب العسكري بقيادة الضابط عبد الرحمن كبيدة عام 1957، أي بعد عامٍ واحد فقط من إعلان الاستقلال. إنّ وقوع محاولة انقلابية بهذا التوقيت المبكر، وفي ظل حكومة منتخبة حديثًا برئاسة إسماعيل الأزهري، لا يمكن فهمه فقط كفعل طائش، بل ينبغي قراءته كعلامة على هشاشة البناء المدني، وضبابية الهوية السيادية للدولة الفتيّة، كما على رسوخ “الحس الوظيفي” في وعي بعض الضباط، لا “الولاء الرسالي” للمجتمع والوطن.إن الولاء في هذه المرحلة لم يكن مجرد مسألة انتماء جغرافي أو قومي، بل إشكالية وعي مشطور بين نمطين من المشروعية: مشروعية الدولة الوطنية الناشئة، ومشروعية القوة التي كانت ولا تزال تتحكم في مسار الأشياء – المستعمر القديم، بمؤسساته، وثقافته، وشبكة ارتباطاته. ولذلك ظل كثير من الضباط يتأرجحون – في لا وعيهم – بين خضوعهم القديم لمركز القرار الإنجليزي، وتطلّعهم الجديد للعب دور سياسي في وطن لم تتبلور ملامحه بعد.وبتحليل هذه المفارقة ضمن منظور التاريخ الاجتماعي للعسكر في دول ما بعد الاستعمار، نجد أن الجيوش التي تأسست تحت الرعاية الكولونيالية غالبًا ما تكون حاملة لسمات مزدوجة: فهي، من جهة، أدوات “وطنية” للمحافظة على النظام، لكنها، من جهة أخرى، مؤسسات ضُبط وعيها خلال التكوين الأولي على أسس “أمنية” لا على أسس “تحريرية”. ومن هنا، فإن قابليتها للانقلاب على التجربة المدنية ليست مجرد انحراف سياسي، بل نتيجة لتكوين مؤسسي سابق على الاستقلال.وفي الحالة السودانية، تعمّقت هذه الإشكالية بغياب مشروع وطني جامع بعد الاستقلال، وفشل النخب السياسية في إنتاج عقد اجتماعي يجيب على أسئلة السلطة، والثقافة، والهوية. وهكذا، حين بدا للنخب المدنية أنها تسيطر على مقاليد الأمور، كان في الهامش ضباط يعيدون تعريف السلطة عبر فوهة البندقية، ما فتح الباب لما أصبح لاحقًا “التاريخ الموازي” للدولة: تاريخ الانقلابات العسكرية، والردة على الديمقراطية.وبذلك، فإنّ معضلة الولاء المزدوج ليست فقط من بقايا الحقبة الاستعمارية، بل هي مرآة لفشل النخب في صياغة مشروع سياسي قادر على دمج الجيش في الدولة المدنية دون كسر أو إذلال. لقد استمر هذا التشظي في بنية المؤسسة العسكرية، وهو ما سيتجلى لاحقًا في دور الجيش في الحياة السياسية السودانية لعقود متتالية، عبر دورات من الانقلابات، والتحالفات، والانكفاءات، بل وتفكك الجيش نفسه في بعض اللحظات الحرجة، كما نراه اليوم.خلاصة القول، إنّ الاستقلال السياسي في 1956 لم يُلغِ الميراث الثقيل الذي ورثته الجندية السودانية من الاستعمار، بل كشف عن هشاشة التوازن بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية. وهذه الهشاشة ليست عرضًا تاريخيًا، بل مسألة وجودية ترتبط بسؤال: لمن ينتمي الجيش؟ وهل الدولة السودانية، كما وُلدت، كانت قادرة على احتواء هذه المؤسسة وتوجيهها نحو حماية الحريات، أم أنها بقيت تدار على شفا معسكر؟
رابعًا: اللقاء مع البعث وولادة المشروع القومي السوداني (1947)
ليست لحظات التحول في مسيرة الشعوب مجرد وقائع سياسية عابرة، بل هي تجليات عميقة لتحوّلات في الوعي، وانعطافات في إدراك الذات والمصير. ومن هذا المنطلق، فإن لقاء وفد من قيادات الحركة الوطنية السودانية بمؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي، الأستاذ ميشيل عفلق، في دمشق عام 1947، لا يُمكن اختزاله في مشهد بروتوكولي ضمن سلسلة من الاتصالات السياسية، بل كان لحظة انبثاق مشروع، لحظة وعي، لحظة التقاء النبض الوطني بالنبض القومي، وإدراك السودان لمكانه العضوي في قلب الأمة لا على هامشها.في تلك اللحظة، كانت الخرطوم تحاول بلورة معنى الاستقلال، لا فقط بوصفه فكاكًا من نير الاستعمار البريطاني–المصري، بل كبحث عن ذات أعمق، تتجاوز الحدود المصطنعة، وتتحسس جذور الانتماء. أما دمشق، فقد كانت – وهي تخرج تواً من الاحتلال الفرنسي – تعيد صوغ سؤال النهضة، في صيغة حزبية جديدة تتجاوز الأطر القُطرية، وتجمع بين الإيمان بوحدة المصير العربي، والاشتغال الفلسفي على مفهوم “الحرية” كتحرير داخلي للفرد والمجتمع من قوى القمع والاستلاب، لا مجرد فك ارتباط بالاستعمار الخارجي.كان اللقاء مع الأستاذ ميشيل عفلق في لحظة انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول لحزب البعث في مارس 1947 بمثابة إعلان غير مكتوب أن السودان ليس “ظلًا إفريقيًا على تخوم العالم العربي”، بل ركيزة جغرافية وروحية من جسد الأمة. ولعل دلالة اللقاء تكمن فيما هو أعمق من البعد السياسي؛ لقد كُسرت ثنائية “العروبة كهوية شمالية” و”إفريقيا كهوية جنوبية”، لصالح رؤية فلسفية ترى في الانتماء العربي روحًا حضارية حية تتسع لكل من ينهض بها، دون قيد الدم أو الجغرافيا الضيقة. وفي هذا المعنى، وُلد “الوعي القومي السوداني” لا كحالة تقليدية من التماهي، بل كمشروع نقدي يسائل ذاته، ويصوغ طريقه ضمن أفق أوسع من حدوده السياسية.من زاوية رمزية، كان اللقاء اعترافًا متبادلًا: فالسودانيون الذين خاضوا منذ أوائل القرن العشرين معارك التحرر، من جمعية الاتحاد إلى اللواء الأبيض، وجدوا في الفكر القومي البعثي إعادة تعريف لمطالبهم. لم يعد الاستقلال هدفًا في ذاته، بل أصبح أداة لتحقيق ثلاثة شروط وجودية للأمة: الوحدة، الحرية، والاشتراكية. وهي المبادئ التي رآها البعث لا كعقيدة سياسية جاهزة، بل كتمثلات تاريخية لاحتياجات الجماهير في أقطارها المختلفة.وفي حديث الأستاذ ميشيل عفلق إلى الوفد السوداني، تجلّى الوعي بالتجزئة لا كظرف تاريخي طارئ، بل كمخطط استعمار ممتد، هدفه تقطيع الجسد العربي إلى كيانات هشة، واستبدال الشعور بالانتماء الجمعي بمشاعر قطرية، طائفية، أو جهوية. لم يكن البعث، إذًا، حزبًا سياسيًا بالمعنى التقليدي، بل محاولة لإعادة هندسة الوجدان العربي على قاعدة أن الحرية لا تكتمل إلا إذا اتسعت لتشمل جميع أبناء الأمة، وأن العدالة لا تكتسب معناها الكامل ما لم تُرفق بتحرير الأرض، والكرامة، والانتماء.وفي السياق السوداني، كان لهذا اللقاء أثرٌ مزدوج: من جهة، أعاد تموضع السودان داخل الخارطة الذهنية للمشروع العربي – ليس كهوامش غير ناطقة، بل كصوت مركزي – ومن جهة أخرى، فتح بابًا لتكوين نخب جديدة تعي أن معركتها ليست فقط ضد الاستعمار البريطاني، بل ضد العقلية التجزيئية التي خلفها المستعمر داخل الدولة والمجتمع. وهذا ما سيتطور لاحقًا في الأدبيات الوطنية السودانية، وفي الارتباط التدريجي لعدد من الشباب السوداني بفكر البعث، لا بوصفه استيرادًا لنموذج خارجي، بل كإجابة على أسئلتهم الوجودية الخاصة: من نحن؟ وأين نقف؟ وكيف نصوغ مستقبلنا؟إن أهمية هذا اللقاء تكمن في كونه قدّم منظورًا جديدًا لفكرة الاستقلال: لا باعتباره نقطة نهاية للاستعمار، بل بداية لمسار النهضة. فالتحرر السياسي لا معنى له دون تحرر اجتماعي وثقافي، ودون إعادة بناء الإنسان العربي–السوداني في سياق مشروع وحدوي يعيد للمواطن مكانته كمحور في الدولة، لا كأداة فيها.وإذا كان اللقاء قد جرى في لحظة تاريخية سابقة على الاستقلال بعقد من الزمن، فإن أثره المعنوي استمر طويلًا: إذ غذّى الشعور بأن السودان لا ينتمي إلى ثقافتين متنازعتين – عربية وإفريقية – بل يقف على تقاطع حضاري يمكن أن يكون فيه جسرًا للأمة، لا هامشًا لها.ختامًا، فإن اللقاء مع البعث لم يكن مجرد زيارة وفد، بل لحظة استنارة، أدخلت الوعي القومي إلى سياق سوداني كان يبحث عن وجهه الحقيقي. ومنذ تلك اللحظة، بدأت معركة جديدة: معركة تأصيل القومية كمشروع تحرري، ومقاربتها ليس كشعار، بل كمحرك لإعادة صياغة الدولة، والانتماء، والإنسان.
خامسًا: تأمل نقدي في مفهوم الاستقلال
ليس الاستقلال مجرد إعلان دستوري أو نقلٍ للسلطة من يد المستعمر إلى يد أبناء الوطن. إنما هو فعلٌ وجودي وفلسفي يختبر فيه شعبٌ ما قدرته على أن يكون ذاته، خارج ظلال الآخر وهيمنته الرمزية. فالاستقلال، بهذا المعنى، لا يُقاس بعدد الأعلام المرفوعة أو بمراسيم السيادة، بل يُقاس بمدى قدرة الأمة على استرداد كرامتها التاريخية، وتوليد مشروعها الذاتي، وممارسة إرادتها دون استعارةٍ من الخارج أو اغترابٍ في الداخل.في السياق السوداني، فإن لحظة الأول من يناير 1956، رغم ما حملته من بهجة سياسية، لم تكن سوى نقطة بدء حقيقية لسؤال أكثر تعقيدًا: هل نلنا الاستقلال فعلًا، أم أعدنا إنتاج التبعية في أثواب جديدة؟ هل تحررنا من المستعمر الخارجي فقط، أم ظللنا أسرى أدواته، ومفاهيمه، وبُناه الإدارية والعسكرية؟ إن الاستقلال، بهذا المعنى العميق، لم يكن نهاية مسار، بل بداية انكشاف: انكشاف الذات على هشاشتها، وتناقضاتها، وإرثها الاستعماري المترسّب في خلايا مؤسساتها الوطنية.فالسلطة التي انتقلت من البريطاني إلى السوداني، لم تكن مفرّغة من حمولة أيديولوجية. لقد ورثت النخبة الوطنية جهاز دولة صُمم لضبط المجتمع، لا لخدمته؛ لضمان الاستقرار الإمبراطوري، لا لخلق تنمية متوازنة أو عدالة اجتماعية. وفي هذا السياق، لا غرابة أن تنشب التوترات سريعًا بين الدولة والمجتمع، بين العسكر والمدنيين، بين المشروع الوطني وميراث التجزئة.لقد أصبح الاستقلال ذاته موضوعًا للفحص. وهو فحص يتطلب أن نميّز بين ثلاثة مستويات متداخلة:
- الاستقلال السياسي: المعلن رسميًا، والمؤسس لدولة ذات سيادة، علم، وعلاقات خارجية. وهو ما تحقق نصًا، لكنه ظل هشًا فعلاً، نظرًا لارتباط الاقتصاد بالإعانات، والنخبة السياسية بمراكز النفوذ الخارجية.
- الاستقلال الثقافي والمعرفي: وهو الأهم، ويعني القدرة على التفكير خارج القوالب الاستعمارية. فهل تمكّنا من بناء مناهج تعليم وطنية تُعيد صياغة الإنسان السوداني بوصفه كائنًا حرًا، واعيًا، مسؤولًا؟ أم ظللنا نُنتج نسخًا بيروقراطية من المواطن، يخشى الدولة أكثر مما ينتمي إليها؟
- الاستقلال الاجتماعي: ويقصد به إعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس المساواة، والعدالة، والتمثيل. فهل تم تجاوز الهويات ما قبل الوطنية، أم أُعيد إنتاجها عبر سياسات المحاصصة، والزبائنية، والانقسام الإثني والمناطقي؟
والأسئلة الكبرى التي طرحتها اللحظة التأسيسية ظلت مفتوحة، مؤجلة، ومُعطّلة أحيانًا:
- هل تصالح الجيش، بوصفه مؤسسة حديثة نشأت في رحم الاستعمار، مع المجتمع السوداني الذي يمثل تعددًا إثنيًا وثقافيًا شديد التعقيد؟ أم ظلّ الجيش نخبة مغلقة، تحرس النظام أكثر مما تحرس الوطن؟
- هل تمكنت الدولة الوطنية من تفكيك البنى الذهنية والسياسية التي أسسها الإنجليز من أجل التحكم، لا من أجل التنمية؟ أم بقيت “كلية غوردون” و”المصلحة الإدارية” رموزًا لعقلية بيروقراطية لا تجرؤ على التجديد؟
- هل تحققت هوية قومية سودانية جامعة، أم ظلت القبلية والجهوية والطائفية هي وحدات الانتماء الفعلية؟
وفي خضم هذه التساؤلات، تظهر أهمية العودة إلى اللحظات المؤسسة، لا بوصفها سردًا تاريخيًا، بل باعتبارها مرايا نقدية:
- إن ثورة اللواء الأبيض عام 1924، التي جسّدت التقاء وعي المثقف العسكري مع طموح التحرر الشعبي، لم تكن فقط احتجاجًا على المستعمر، بل تأسيسًا مبكرًا لنموذج “السوداني القومي”، المتحرر من الطائفية والانقسامات الجهوية.
- وإن لقاء وفد الحركة الوطنية السودانية مع مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1947 لم يكن مناسبة احتفالية، بل محاولة للارتقاء بسؤال الاستقلال من مستوى التحرر السياسي إلى مستوى الرؤية الكونية: هل نحن أمة لها رسالة؟ هل نملك ما نضيفه إلى الحضارة، لا فقط ما نحاول انتزاعه من مخلفات الاستعمار؟
إن أعظم ما يمكن أن يُستخلص من لحظة الاستقلال هو أنها ليست حدثًا ماضيًا، بل أفقٌ مفتوح. إنها مشروعٌ يجب أن يُعاد ابتكاره في كل جيل، وكل مفصل من مفاصل التحول الوطني. فحين نتصور الاستقلال غايةً نهائية، نكون قد وقعنا في فخ “المعنى المغلق”. أما حين نراه لحظةً تأسيسية لسؤال الكرامة، والعدالة، والانتماء، فإننا نعيد له روحه الأولى.الاستقلال إذًا، ليس فقط استرداد أرض، بل استرداد وعي. وهو لا يكتمل بتغيير الحاكم، بل بتحرير المحكوم. لا يتحقق حين نُبدّل راية بأخرى، بل حين نخلق إنسانًا جديدًا، يعرف أن حريته لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن انتماءه لا يُفرض، بل يُختار.وما السودان إلا مرآة لمأزق الأمة. فإذا قرأنا استقلاله كتمرينٍ فلسفي على مواجهة الذات، ربما نتمكن من فهم أن المعركة الحقيقية لم تكن ضد المستعمر فقط، بل ضد ما تبقّى منه فينا.
خاتمة: من التاريخ إلى المشروع – نحو وعي يتجاوز اللحظة
العودة إلى لحظة الاستقلال في السودان ليست استدعاءً نوستالجيًا لوقائع تاريخية تروى في مناسبات رسمية، بل هي فعل تأملي عميق يستهدف مساءلة الذاكرة، لا من أجل التمجيد، بل من أجل التأسيس. فالتاريخ، حين يُستحضر بوصفه مشروعًا لا بوصفه ماضياً، يتحوّل من أرشيف ساكن إلى طاقة محرّكة. والاستقلال، في هذا السياق، ليس لحظة اكتمال، بل بداية لعصر من الأسئلة الوجودية حول الكينونة الوطنية، والدور القومي، والممكن التحرري.لقد كانت لحظة السودان من “اللواء الأبيض” إلى “لقاء دمشق” تجسيدًا لما يمكن تسميته “الاستقلال في طور التكوين”—استقلال لم يُختزل في السيادة على الأرض، بل سعى إلى تحرير الوعي، وبناء إنسانٍ جديد يرى في نفسه جزءًا من مشروع نهضة أكبر من حدوده القطرية. كانت تلك اللحظة نداءً يتجاوز الخرطوم، ويصل إلى بيروت، ودمشق، وبغداد، وأي مكان تنبض فيه الروح العربية بالسؤال نفسه: كيف نصوغ المعنى في مواجهة التفتيت؟ كيف نجعل من الجرح القومي بوابة نحو وحدة أرقى من الجغرافيا؟وإذا كنا اليوم نعيش لحظة تعثّر عربي عميق، تتجلى في هشاشة الدولة، وارتباك الهويات، واختطاف الفعل الشعبي، فإن العودة إلى التجربة السودانية، بكل ما فيها من تناقضات وملاحم، تمنحنا أكثر من العبرة. إنها تقدم لنا نموذجًا حيًا لما يمكن أن يكون عليه “الانتماء القومي” عندما يتجسد في تضحية الضابط الوطني، وفي شجاعة المفكر الذي يربط المحلي بالشمولي، وفي جموع الشباب الذين خاضوا مواجهة غير متكافئة لأنهم آمنوا بأن المستحيل مجرد مؤجل.وهنا، يصبح السؤال المصيري: ماذا نفعل بهذا التاريخ؟ هل نتركه حبيس الذكرى، أم نعيد تقطيره في مشروع جديد؟ هل نظل نحتفي بلحظة الاستقلال كحدث مغلق، أم نعيد قراءتها كمنصة لإطلاق وعي مختلف—وعي لا يبحث فقط عن دولة تحكم، بل عن أمة تنهض؟إن المجد، كما قال أحد المفكرين، لا يُورّث، بل يُنتزع في كل جيل. وكرامة الأمة ليست حادثة ماضية، بل فعلٌ مستمرّ في مواجهة حاضرٍ تسيّده التفكك، والتبعية، والاستلاب. ولا شيء أكثر ضرورة اليوم من إعادة وصل ما انقطع: بين الجندية والوطن، بين الفكر والممارسة، بين التاريخ والمستقبل.إن المشروع القومي في السودان لم يكن فكرة دخيلة ولا ترفًا نخبويًا، بل كان جوابًا عضويًا عن سؤال مزدوج: من نحن؟ وإلى أين نمضي؟ ومن هذا السؤال، يولد الوعي، وتتشكل الإرادة، وتُبنى الأمة. لأن الأمم لا تنهض بشعاراتٍ فقط، بل بمشاريع. ولا تكتفي باستقلال الأرض، إن لم تستكمل استقلال العقل، والكرامة، والمصير.فلنجعل من تاريخ الاستقلال منطلقًا لسؤال أشمل: كيف نبني مشروعًا وطنيًا وقوميًا معاصرًا، ينتمي إلى شعبه لا إلى أدوات قمعه، يؤمن بوحدة المصير العربي لا بتصدير الانقسام، ويراهن على طاقة الشباب لا على إرث النخب المتكلّسة؟ولأن المجد لا يُؤرشف، بل يُستعاد كلما عجز الحاضر عن توليد معنى، فإن السودان—بجراحه، بثوراته، بمثقفيه، وبجنوده الشهداء—ما زال يحتفظ بمفتاح الممكن.الأسئلة الآن لا تنتظر إجابات جاهزة، بل تنتظر من يجرؤ على فتح المستقبل، بمقدار ما امتلك شجاعة مواجهة الماضي. فهل نكون أبناء الاستقلال… أم أوصياء على ذكرى لم نحسن ترجمتها إلى مشروع؟
المراجع
أولًا: المراجع التاريخية حول السودان والاستقلال:
- القدال، محمد سعيد. تاريخ السودان الحديث. الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 2002.
- بابو، تاج السر عثمان. ثورة 1924: دراسة في تاريخ الحركة الوطنية السودانية. الخرطوم: المركز السوداني للدراسات التاريخية، 2013.
- إبراهيم، عبد الرحمن. مذكرات اللواء علي عبد اللطيف. الخرطوم: دار عزة للنشر، 1999.
- بدري، شوقي. اللواء الأبيض… شهادة أمة. الخرطوم: دار المصورات، 2017.
- كولينز، روبرت. تاريخ السودان الحديث. ترجمة: يوسف فضل حسن. الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 1990.
- Johnson, Douglas H. The Root Causes of Sudan’s Civil Wars. Bloomington: Indiana University Press, 2003.
ثانيًا: الفكر القومي العربي وحزب البعث:
- عفلق، ميشيل. في سبيل البعث: الكتابات السياسية الكاملة. بغداد: منشورات القيادة القومية، 1974.
- عفلق، ميشيل. ذكرى الرسول العربي. بيروت: دار الطليعة، 1964.
- صايغ، فايز. القومية العربية: مفاهيم ومواقف. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1980.
- المقدسي، أنطوان. الفكر القومي العربي المعاصر. بيروت: دار الفكر الجديد، 1990.
- بشارة، عزمي. أن تكون عربيًا في أيامنا. بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013.
ثالثًا: الاستقلال، الهوية، وما بعد الاستعمار:
- فانون، فرانتز. معذبو الأرض. ترجمة: صفاء خلوصي. بيروت: دار الفارابي، 1986.
- سعيد، إدوارد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة: كمال أبو ديب. بيروت: دار الآداب، 1997.
- أندرسن، بندكت. الجماعات المتخيلة: تأملات في أصل القومية وانتشارها. ترجمة: ثائر ديب. بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2009.
- بلقزيز، عبد الإله. الدولة في الفكر العربي المعاصر. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1995.
- Bhabha, Homi K. The Location of Culture. London: Routledge, 1994.
رابعًا: التحولات العسكرية والسياسية:
- هوغ، جيمس. السودان والحكم الثنائي. ترجمة: حسن ساتي. الخرطوم: دار جامعة الخرطوم للنشر، 1992.
- بشير، محمد عمر. تطور الحركة الوطنية في السودان. بيروت: دار الجيل، 1970.
- حسن، يوسف فضل. السودان: من التاريخ القديم إلى الاستقلال. الخرطوم: دار جامعة الخرطوم، 1981.
خامسًا: الدوريات العلمية والمقالات:
- مجلة دراسات الوحدة العربية. أعداد متنوعة بين 1995–2020، بيروت.
- مجلة الفكر العربي المعاصر. بيروت: مركز الإنماء القومي.
- مركز دراسات السودان المعاصر. تقارير تحليلية حول مراحل الاستقلال، منشورات إلكترونية.
Leave a Reply