من التغني بالثورة إلى شرعنة القتلة خيانة بحجم دماء الشهداء

حل

✍🏽 امجد السيد

في كل ثورة تنهض الشعوب بأحلامها الكبيرة وآمالها العريضة ويعلو صوتها وهي تنشد الحرية والعدالة والسلام ويتقدم الصفوف من يتغنون بها ويجيدون العزف على أوتارها، كل حسب أدواته منهم من يصرخ في الميادين ومنهم من يكتب القصائد ومنهم من يظهر على الشاشات بربطة عنق أنيقة ولسان مطلي بعبارات الثورة لكن ما إن تترنح الثورة أو تُطعن من الخلف حتى تتكشف المعادن وتسقط الأقنعة.

وها نحن نعيش لحظة سقوط جديدة لحظة خيانة بحجم دماء الشهداء الذين ارتقوا وهم يهتفون حرية، سلام، وعدالة لحظة انحناء ممن اعتلوا موجة الثورة وغنوا للثوار في أشعارهم وخطبهم ثم لما تبدلت الرياح بدلوا مواقعهم ومواقفهم  وتزينوا بالواقعية السياسية المزيفة  وأعدوا أنفسهم لمقاعد السلطة تحت أي يافطة حتى وإن كانت يافطة الانقلابيين أو بقايا النظام القديم.

التشكيل الوزاري الجزئي الذي أعلن عنه د. كامل إدريس مؤخرا  لم يكن مجرد خطوة سياسية بل كان مؤشرا صارخا على خذلان جديد في مقدمة الأسماء يبرز اسم د. معز عمر بخيت الشاعر والطبيب الذي ظل لسنوات يكتب شعرا يُمجد الثورة ويتغزل بالثوار ويكيل الهجاء للكيزان والظلاميين فإذا به اليوم يعود ضمن حكومة تُراد لها أن تكون تكنوقراطية بينما هي في حقيقتها مجرد واجهة ناعمة لتمرير مشروع تسوية تُكرس للقتلة وتُمنح فيها صكوك الغفران لمن أجرموا في حق الشعب والثورة.

أي تكنوقراط هذا الذي يتغافل عن دماء الألف شهيد؟ وأي حياد علمي ذاك الذي يبرر العمل تحت راية قوى القتل والانقلاب؟ لا ليسوا تكنوقراط إنهم مجرد أدوات ناعمة لتجميل وجه قبيح وخناجر مغلفة بالحرير تُطعن بها الثورة مرةً أخرى.

لقد قيل كثيرا إن الثورات لا تُهزم من خصومها بقدر ما تُغدر بها من داخلها واليوم نشهد فصلا جديدا من هذه الغدر حين يتحول من أنشدوا للثورة إلى أبواق في بلاط السلطة الجديدة ويشرعنون القتل باسم الاستقرار ويعيدون إنتاج المنظومة الفاسدة باسم الكفاءة

هؤلاء لا يشبهون الثورة ولا يشبهون الشهداء الذين كانوا يتغنون بأسمائهم هؤلاء يشبهون فقط الموجة التي قرروا ركوبها دون مبدأ ولا التزام وحين تتبدل الأمواج مرة أخرى سيتبدلون.

إنها لحظة كشف ضرورية لحظة تقول لنا  لا تصدقوا كل من ركب الموجة لا تمنحوا الثقة لمن غنى لكم ثم باعكم الثورة مستمرة بأهلها الحقيقيين لا بالمتسلقين ولا بشعراء البلاط الجدد ولا بمن يبدلون أقلامهم كما يبدلون مواقعهم

الوفاء للشهداء لا يكون بالشعر بل بالثبات على المبادئ.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.