العنف ضد الأطفال في مناطق النزاعات يبلغ “مستويات غير مسبوقة” عام 2024.. وأطفال فلسطين في المركز الأول!

بقلم: نعمت بيان

مستشارة المرأة والطفل في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الدول الإسكندنافية

إن مساحة الصراعات والنزاعات والحروب في العالم تتسع باتساع أطماع أطراف النزاع على الهيمنة، الذين تجاوزوا قوانين الحرب التي تأخذ بعين الاعتبار سلامة المدنيين بانتهاكات يندى لها الجبين. ومنطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديدًا لها الحصة الأكبر من هذه الحروب وتداعياتها، فالمنطقة واقعة تحت صفيح نار مشتعل يلتهم ليس الأخضر واليابس فحسب، بل يطال الإنسان بكل جوانب حياته. وما الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية، والحرب الدائرة في السودان منذ أكثر من عامين، ناهيك عن اليمن وليبيا والصومال، إضافة لما حلّ في العراق وسوريا ولبنان، إلا مثال حيّ على هذه الفظائع. وحتمًا لا ننسى الأحواز العربية المحتلة (المنسية) منذ 100 عام من قِبل إيران.

الفئة الأكثر تضررًا من هذه الصراعات والحروب هم الأطفال والنساء، كون هذه الفئة هي الأضعف. فيكاد لا يمر أسبوع دون أن تصدر تقارير من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية التي تُظهر هول المأساة التي يتعرض لها الأطفال والنساء، خاصة في الدول العربية القابعة تحت الاحتلالات أو التي تشهد نزاعات.

تقرير أممي صادم: مستويات قياسية للعنف ضد الأطفال

جديد التقارير ما أعلنته الأمم المتحدة، عبر تقريرها الصادر في 19 يونيو 2025 حول العنف ضد الأطفال، بأن معدل العنف ضد الأطفال في مناطق النزاعات بلغ “مستويات غير مسبوقة” عام 2024، مسجلًا رقمًا قياسيًا غير معهود منذ بدء رصد الانتهاكات قبل نحو 30 عامًا. وقد احتلت الأراضي الفلسطينية المركز الأول في إحصاءات التقرير.

جاء في التقرير أن الأمم المتحدة وثقت 41,370 انتهاكًا جسيمًا ضد الأطفال في النزاعات المسلحة العام الماضي، وهو الرقم الأعلى منذ إنشاء ولاية الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالأطفال والنزاع المسلح في عام 1996. يمثل هذا الارتفاع نسبة 25% مقارنة بعام 2023، ونبّه التقرير إلى أن استمرار التدهور المقلق في حماية الأطفال هو للعام الثالث على التوالي. وأكد التقرير أن الهجمات العشوائية وتجاهل اتفاقات وقف إطلاق النار وتفاقم الأزمات الإنسانية، مع تجاهل صارخ للقانون الدولي وحقوق الأطفال وحمايتهم الخاصة من قِبل جميع أطراف النزاع، أضعفت بشدة حماية الأطفال من الأعمال العدائية. ويؤكد التقرير أن استمرار الصراعات المستعرة في جميع أنحاء العالم، يقتل الأطفال أو يشوههم أو يعرضهم للاغتصاب أو يقتلهم جوعًا (كما يحصل في غزة). كما يشير التقرير إلى أن أعلى مستويات الانتهاكات الجسيمة في عام 2024 كانت في فلسطين المحتلة، ولا سيما قطاع غزة، إضافة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، والصومال، ونيجيريا، وهايتي.

أظهر التقرير أن معظم الانتهاكات الجسيمة شهدت زيادة في عام 2024، بما فيها الهجمات على المدارس التي زادت بنسبة 44%، والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي بنسبة 34%. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع عدد الأطفال ضحايا الانتهاكات الجسيمة المتعددة بنسبة 17% نتيجة لازدياد حالات الاختطاف والتجنيد والاستخدام والعنف الجنسي، مما يمثل تصعيدًا مقلقًا في الوحشية. كما أن القصف العنيف والهجمات الصاروخية والاستخدام المستمر للأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية حوّل المنازل والأحياء إلى ساحات قتال.

توثيق الانتهاكات في الدول العربية: فلسطين في صدارة الضحايا

في توثيق الأمم المتحدة لهذه الجرائم، يتبين أن معظمها في البلدان العربية، وقد أتت على الشكل التالي:

  • فلسطين: كبرى فظائع الانتهاكات هي التي يرتكبها العدو الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، وتحديدًا الأطفال. والجرائم التي يشاهدها العالم عبر الشاشات رغم قيود العدو على الوسائل الإعلامية ومنعها من تغطية الحرب في غزة تبين هول الأعداد من الضحايا، مع صعوبة بالغة التعقيد في رصد وتوثيق كل الحالات بسبب الإبادة الجماعية والاستحالة اللوجستية للرصد والتوثيق، ناهيك عن استهداف العدو الإسرائيلي لمراكز الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والعاملين فيها، وفرض قيود على الناشطين الحقوقيين، ومنع أي جهة فاعلة في المجال الإنساني من توثيق كامل للانتهاكات.

    إن أرقام ضحايا الانتهاكات التي أحصيت والتي يرتكبها العدو الصهيوني بحق أطفال فلسطين متفاوتة للأسباب التي ذُكرت أعلاه. فبينما وثق التقرير الأممي 8,554 انتهاكًا جسيمًا بحق 2,959 طفلًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها 3,688 في الضفة الغربية، و4,856 في قطاع غزة، والذي اعتبر أن النزاع الحالي شكّل حالة غير مسبوقة من حيث نطاق الانتهاكات المرتكبة بحق الأطفال وشدتها، حيث أدت الأعمال العدائية إلى زيادة الانتهاكات بنسبة 155%، تبين إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن أعداد الضحايا في فلسطين وصلت إلى أكثر من 55,998 من بينهم 18,000 طفل، (و12,400 امرأة، 3,853 مسن، الطواقم الطبية 1,411، شهداء الصحافة 219، الكوادر التعليمية 800، شهداء موظفي الأونروا 203، شهداء الدفاع المدني 113، عدد المفقودين 11,200، مفقودين من الأطفال والنساء 4,700)، والعدد يزداد يوميًا بما يعني أن أعداد الضحايا أكثر بكثير من الأرقام التي ذكرت. فالصورة أكثر قتامة بسبب التحديات التي تعرقل إمكانية الوصول إلى الحقيقة الكاملة عن الانتهاكات التي تُرتكب على مدار الساعة.

  • السودان: تمكنت الأمم المتحدة من توثيق 2,041 انتهاكًا جسيمًا ضد 1,882 طفلًا (1,081 صبيًا، و564 فتاة، و237 لم يُعرف جنسهم)، فضلًا عن 127 انتهاكًا وقعت في السنوات السابقة. كما سجل التقرير قتل 752 طفلًا وتشويه 987 آخرين في العام الماضي.
  • سوريا: تحققت الأمم المتحدة من نحو 1,300 انتهاك جسيم ضد 1,205 أطفال، و64 انتهاكًا وقعت في السنوات السابقة.
  • اليمن: الوضع ليس بأفضل حالًا، حيث وثقت الأمم المتحدة حوالي 583 انتهاكًا جسيمًا ضد الأطفال و204 انتهاكات وقعت في السنوات السابقة، منها تجنيد المجموعات المسلحة للأطفال.
  • لبنان: تحققت الأمم المتحدة من وقوع 669 انتهاكًا جسيمًا ضد 628 طفلًا في لبنان نتيجة استخدام العدو الإسرائيلي الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان.

ما ذُكر أعلاه هو غيض من فيض مما يتعرض له الأطفال في الدول العربية التي تعاني الحروب والنزاعات، من قتل ونزوح وتشريد وتجنيد واغتصاب وتجويع، ناهيك عن تعطل مسار التعليم في مناطق النزاعات. فحسب تقديرات المنظمة الأممية (اليونيسف)، فإن أكثر من 52 مليون طفل في البلدان المتضررة من الصراعات خارج المدرسة، وأن أطفال غزة والسودان هم من فقدوا أكثر من عام دراسي.


دعوة للعمل: حماية الأطفال استثمار في المستقبل

في ختام القول، إن العنف المروع الذي يطال الأطفال في الدول العربية التي ذُكرت في التقرير مع هذه الأرقام المخيفة سيترتب عليه مخاطر جمّة وعواقب لا تُحمد عقباها في المستقبل إذا لم تتضافر الجهود وعلى كافة المستويات من أجل التصدي له واحترام والالتزام ببنود اتفاقية حماية الطفل. فحماية الأطفال ليست مجرد واجب أخلاقي وإنساني، بل هي استثمار في مستقبل هذه الدول كون أطفال اليوم هم نواة المستقبل. ولأن حماية الأطفال في الدول العربية هي مسؤولية جماعية، لذا أصبح من الملح أن تتكاتف جهود الجميع، من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني بالتعاون والتنسيق مع المنظمات الأممية المعنية بحقوق الطفل لتطبيق القوانين وتوفير بيئة آمنة للأطفال، ورفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الدولية ضد الدول والجماعات التي ترتكب جرائم بحق الأطفال، وفي مقدمتها الكيان الصهيوني الذي ضرب بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية والمعنية بحقوق الإنسان وفي مقدمتها حقوق الأطفال! وأن لا تكتفي هذه الجهات (العاجزة) بإصدار تقارير وبيانات تنديد التي لا تُسمن ولا تُغني، إذا لم يكن هناك من إجراءات جدية لوقف قتل وتشويه جيل بأكمله!

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.