
تقرير: رانيا فاروق
مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، تواصل الأوضاع المتردية فرض حصار لا هوادة فيه على أجساد النساء والفتيات وحقوقهن. ففي جميع المناطق المتضررة من النزاع، يُستخدم العنف الجنسي كسلاح حرب مروع، وهو تكتيك تتبعه القوات المتحاربة لبث الرعب، وإجبار السكان على النزوح، وفرض السيطرة الكاملة.
وتشير إحصائيات أممية مقلقة إلى أن أكثر من 12 مليون شخص – أي ربع سكان السودان – معرضون بشكل مباشر لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي. يبلغ المستجيبون في الخطوط الأمامية والناجون عن معدلات غير مسبوقة من الاغتصاب، والإساءة، والإكراه، وزواج الأطفال، مما يرسم صورة قاتمة للوضع الإنساني.
الخطر يتهدد الجميع بلا استثناء
“كل امرأة وفتاة هنا معرضة للخطر، بغض النظر عن عمرها أو خلفيتها. لا أحد في مأمن”، بهذه الكلمات المليئة بالقلق تصف “سارة”، وهي قابلة تعمل في عيادة ولادة بولاية القضارف شرقي السودان، الواقع المرير. وتضيف “سارة” في شهادتها لصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، الوكالة الأممية المعنية بالصحة الجنسية والإنجابية، والتي تدعم العيادة: “لقد أصبح العنف الجنسي سلاحًا منتشرًا كالبنادق والرصاص. تصل النساء إلى منشآتنا منهكات ومصدومات، غالبًا بعد أشهر من النزوح. يحملن جروحًا جسدية ونفسية يصعب استيعابها، ندوبًا عميقة تشهد على فظاعة ما تعرضن له”.
من جانبها، تصف “آلاء”، المتخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي في السودان، ما وثقته من خلال عملها في رصد هذه الانتهاكات: “إن حجم الانتهاكات ووحشيتها يتجاوزان كل ما رأيناه سابقًا. لقد وثقنا حالات عديدة لنساء وفتيات نجين من الاغتصاب والعنف الجنسي، بما في ذلك فتيات مراهقات ونساء وفتيات ذوات إعاقة. تُركت الكثيرات منهن يعانين من حالات حمل غير مرغوب فيه، وأمراض منقولة جنسيًا، وصدمات نفسية عميقة تتطلب دعمًا فوريًا وطويل الأمد”. وتتابع “آلاء” موضحة جانبًا آخر من التحدي: “حتى مع هذه المستويات المروعة، لا يتم الإبلاغ عن العنف الجنسي في كثير من الأحيان، وذلك أساسًا بسبب الخوف، والعار المجتمعي، وعدم كفاية الخدمات المتاحة، وقلة فرص مقاضاة الجناة، مما يزيد من إفلات المعتدين من العقاب”.
صدمة الأجيال والانهيار الخدماتي
ومما زاد من صعوبة الوضع الإنساني، هو التخفيض الحاد في التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية، والذي أدى بدوره إلى توقف الخدمات المنقذة للحياة في جميع أنحاء السودان. كان صندوق الأمم المتحدة للسكان يدعم 63 مركزًا آمنًا توفر المأوى والدعم النفسي والاجتماعي والإحالة إلى الرعاية الطبية لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلا أن العديد منها اضطر إلى الإغلاق في الأشهر القليلة الماضية. وفي جميع أنحاء البلاد، لا يعمل سوى مركز واحد من كل أربعة مراكز تقدم الرعاية السريرية لضحايا الاغتصاب بكامل طاقته، مما يترك الآلاف دون أي سبيل للحصول على المساعدة الحيوية.
وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، تشير التقارير الواردة إلى احتمال تزايد المخاطر الصحية الجسيمة على صحة الأمهات بين ضحايا الاغتصاب. تخوض النساء والفتيات، النازحات مرارًا وتكرارًا، رحلات محفوفة بالمخاطر عبر مناطق مزقتها الحروب، في ظل ندرة الوصول إلى خدمات أو دعم الصحة الجنسية والإنجابية. بعضهن يستمر لشهور متواصلة دون رعاية، وبحلول وصولهن إلى مرفق صحي، تكون العديد من الناجيات في مراحل متقدمة من الحمل، أو يعانين من التهابات حادة غير معالجة، وصدمات نفسية عميقة تزداد تعقيدًا بمرور الوقت.
وتواصل “آلاء” المتخصصة في العنف القائم على النوع الاجتماعي حديثها محذرة من تداعيات طويلة الأمد: “العنف الذي نشهده الآن سيتردد صداه عبر الأجيال. الأطفال الذين ولدوا نتيجة هذه الاعتداءات، والأمهات اللواتي أُجبرن على حمل غير مرغوب فيه، والناجين الذين وصموا ونبذتهم مجتمعاتهم – كل هذه الصدمات ستؤثر بعمق على نسيج المجتمع السوداني لفترة طويلة بعد أن يصمت صوت المدافع”. وتضيف: “إن الحصول على الرعاية الصحية ودعم الصحة النفسية ليس سوى جزء واحد من معاناة الناجيات. ويفيد شركاء صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن الوصمة المجتمعية والخوف من الانتقام – بما في ذلك قتل الناجيات على يد أفراد أسرهن في بعض الحالات – يمنعان النساء والفتيات من طلب المساعدة التي يحتجنها بشدة”.
تناقص الأموال وتضاؤل الأمل
على خلفية هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة وندرة التمويل، يواصل صندوق الأمم المتحدة للسكان وشركاؤه تقديم خدمات الصحة الإنجابية والحماية، لكن تخفيضات التمويل الأخيرة أجبرت الصندوق على الانسحاب من أكثر من نصف المرافق الصحية التي كان يدعمها. ومن المتوقع إغلاق المزيد من الأماكن الآمنة والبرامج الحيوية التي تدعم النساء والفتيات في أشد الظروف خطورة، مما يترك الآلاف عرضة للخطر دون حماية أو دعم.
في مواجهة هذا الوضع الكارثي، أطلقت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة نتاليا كانيم، نداءً عاجلاً للعمل بسرعة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقالت: “لقد حان الوقت للعمل معًا، بالسرعة المطلوبة، لجعل القضاء على العنف الجنسي في حالات الصراع ليس مجرد فكرة لاحقة، بل الخطوة الأولى نحو عالم يسوده السلام – عالم آمن وعادل ومتساوٍ للنساء والفتيات – وللجميع”. وشددت على ضرورة “تخصيص موارد واهتمام أكبر لبعض الأزمات الأقل دعمًا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في السودان. من الضروري ألا نترك ملايين النساء والفتيات فريسة للعنف، من خلال التمويل الكامل للخدمات التي تركز على الناجيات لكسر هذه الحلقة المفرغة، ومعالجة آثار الصحة الجنسية والإنجابية، وتوفير مساحات آمنة للتعافي من هذه الجرائم والإبلاغ عنها”.
تبقى معاناة الناجيات من العنف الجنسي في السودان شهادة مروعة على التكلفة البشرية الباهظة للحرب، ونداءً ملحًا للمجتمع الدولي لتكثيف الجهود والدعم قبل فوات الأوان.
Leave a Reply