
طهران: وكالات
منذ العام 1979، باتت المرأة في إيران هدفًا لمنظومة تشريعية وأمنية تعمل على ضبط جسدها وسلوكها ضمن رؤية أيديولوجية دينية محافظة. وتحوّلت قضايا مثل الحجاب إلى أدوات سيطرة سياسية، تتجاوز الأبعاد الدينية أو الثقافية، ما يجعل الحضور النسائي في الفضاء العام الإيراني مرهونًا بمنظومة عقوبات تتدرج من التوبيخ الاجتماعي إلى السجن والتعذيب.
تصعيد تشريعي وأمني متزامن
في عام 2023، أقرّت السلطات الإيرانية قانون “حماية العفة والحجاب”، الذي منح الشرطة صلاحيات موسعة لملاحقة النساء بتهم “الفساد الأخلاقي”، وفرض عقوبات غير تقليدية، من بينها الحرمان من العمل والتعليم والخدمات العامة، بل وحتى إجبار المخالفات على تغسيل جثث الموتى.
اللافت أن أدوات الرِّقابة لم تقتصر على العنصر البشري، بل شملت توظيف كاميرات ذكية وتقنيات التعرف على الوجه لتعقّب النساء غير الملتزمات بالحجاب، في توسّع واضح لاستخدام التكنولوجيا في مراقبة الحياة الخاصة.
شرطة الأخلاق.. أداة القمع الأبرز
من أبرز أذرع هذه المنظومة ما يُعرف بـ”شرطة الأخلاق”، وهي وحدة أمنية تخصصت في فرض معايير اللباس والسلوك في الأماكن العامة. وواجهت هذه القوة اتهامات واسعة بارتكاب انتهاكات منهجية، أبرزها حادثة وفاة الشابة مهسا أميني في سبتمبر 2022، بعد اعتقالها بسبب “ارتداء غير لائق للحجاب”. وقد فجّرت الحادثة احتجاجات عنيفة رفعت شعار “المرأة، الحياة، الحرية”، ووضعت المِلَفّ النسوي في قلب المشهد السياسي الإيراني مجددًا.
الحجاب كأداة للضبط السياسي
فرض الحجاب في إيران لم يكن نتيجة تطور اجتماعي أو نقاش ديني، بل أداة رمزية للسلطة منذ صدور أول فتوى تلزمه في المؤسسات الحكومية بتاريخ 7 مارس 1979. تبع ذلك حراك نسائي واسع بدأ في 8 مارس من العام ذاته – تزامنًا مع اليوم العالمي للمرأة – واستمر لستة أيام، رفضًا لفرض الحجاب القسري.
حضور نسائي متصاعد رغم القمع
ورغم العقوبات والسجون، برزت المرأة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة كفاعل رئيسي في الاحتجاجات العامة، من حركة “فتيات الشوارع” (2018) إلى انتفاضة 2022. وتشير الإحصاءات إلى أن نحو 65% من طلاب الجامعات في إيران من النساء، ما يعكس قاعدة اجتماعية مدنية متعلمة، تشكّل تحديًا مباشرًا للنظام القائم على بنية أبوية دينية.
سجون النساء.. توثيق الانتهاكات
خلال الثمانينات، شهدت إيران موجات إعدام استهدفت النساء، خصوصًا المنتميات إلى حركة “مجاهدي خلق”، وتضمّنت هذه الحملة حالات إعدام لفتيات في عمر 13 عامًا، دون محاكمات عادلة، إضافة إلى تعذيب مزدوج داخل السجون، استنادًا إلى هويتهن الجندرية والانتماء السياسي.
“أخوات الباسيج”.. نساء في خدمة النظام
بموازاة المقاومة النسوية، أسس النظام جهازًا نسائيًا موازٍ يُعرف بـ”أخوات الباسيج”، بقيادة مرضية حداد تشي دباغ. تأسس هذا الجهاز إبان الحرب مع العراق، وتحول لاحقًا إلى أداة قمع داخلي، شاركت عناصره في تعقب واعتقال المعارضات، خصوصًا خلال احتجاجات 2009، وأصبح جزءًا من منظومة “التعبئة النسائية” التابعة للحرس الثوري.
المقاومة النسوية.. من 1981 حتى اليوم
من مظاهرة 20 يونيو 1981 التي شارك فيها نصف مليون شخص، كانت النساء في طليعة الاحتجاج، وساهمن لاحقًا في كافة موجات التمرّد (1999، 2009، 2018، 2019، 2022). ويُحيي المعارضون هذا التاريخ سنويًا باعتباره يوم الشهداء والسجناء السياسيين، في إشارة إلى حجم تضحيات النساء في مواجهة النظام.
أزمة شرعية متصاعدة
وفق مراقبين، يواجه النظام الإيراني أزمة شرعية متفاقمة مع اتساع الحراك النسائي. وتُظهر الدراسات أن خطاب “الضبط والعقاب” الذي استندت إليه السلطات لم يعد يردع النساء، بل يدفعهن لمزيد من الانخراط في العمل المعارض، في ظل تغيّر المِزَاج العام وتراجع فاعلية أساليب القمع التقليدية.
عمومًا المرأة في إيران ليست مجرد ضحية ضمن سياق اجتماعي تقليدي، بل عنصر صراع سياسي وثقافي مركزي. ورغم تكثيف القمع، فإن مسار الوعي النسوي في تصاعد، ويبدو أن المعركة – وإن لم تُحسم بعد – تسير نحو تغيير أعمق في العلاقة بين السلطة والمجتمع
Leave a Reply