على أنقاض الوطن: “صمود” تطرح رؤية للم الشمل المدني.. البحث عن سودان يليق بالتضحيات

تغطية: الهدف

في ظل استمرار الأزمة السودانية التي دخلت عامها الثالث، وتفاقم تداعياتها الإنسانية والسياسية بشكل غير مسبوق، يتقدم التحالف المدني لقوى الثورة “صمود” برؤية  تهدف إلى إنهاء الحرب العبثية وإعادة بناء الدولة على أسس مدنية ديمقراطية راسخة. ويؤكد قادة التحالف أن هذه الرؤية الشاملة تؤهل “صمود” للقيام بدور محوري في المبادرة لإيجاد حل جذري ومستدام للأزمة، معتبرين أنفسهم الصوت الأصيل المعبر عن المشروع المدني في مواجهة التحديات الهائلة الراهنة التي تهدد وجود السودان.

تشخيص الأزمة:

يشخص صديق الصادق المهدي، الأمين العام للتحالف المدني لقوى الثورة “صمود”، جوهر الأزمة الراهنة في السودان بكونها نتاجًا مباشرًا ومتسلسلاً لـ “المشروع العسكري” الذي بدأت بذرته الخبيثة مع نظام “الإنقاذ” الاستبدادي وما تلاه من ممارسات كارثية. ويُحمل المهدي النظام السابق وقواه المتحالفة مسؤولية جملة من الكوارث الوطنية، تشمل الإبادة الجماعية التي طالت أجزاء من البلاد، والتدمير الممنهج لمؤسسات الدولة التي كانت عماد الحكم الرشيد، ونهب ما يزيد عن 100 مليار دولار من أموال الشعب السوداني وثرواته، وفض اعتصام القيادة العامة الذي كان يجسد آمال الثورة السلمية، وانقلاب أكتوبر 2021 الذي قضى على التحول الديمقراطي، وسرقة 10 مليارات دولار سنويًا من موارد البلاد، وصولاً إلى إشعال حرب الخامس عشر من أبريل الكارثية. هذه الحرب، التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إثر خلافات حول دمج الأخيرة في القوات المسلحة، قد امتدت لتطال أرجاء واسعة من البلاد مخلفة دماراً هائلاً ومعاناة إنسانية غير مسبوقة، لم يشهد السودان مثيلاً لها في تاريخه الحديث.

رؤية “صمود” للحل: 

تؤكد مبادرة “صمود” على مبدأ أساسي غير قابل للمساومة، وهو الاستبعاد التام للمؤتمر الوطني (المنحل)، المعروف بـ”الكيزان”، من أي عملية سياسية مستقبلية أو ترتيبات حكم انتقالية أو دائمة. ويعزى هذا الاستبعاد الصارم إلى “نهجهم الإقصائي وتحالفهم التاريخي المتأصل مع المؤسسة العسكرية، واعتمادهم الدائم على وسائل غير مدنية وغير ديمقراطية لتحقيق أهدافهم السياسية”، وهو ما أثبت فشله وقاد البلاد إلى هذه الهاوية. تتمحور أهداف المبادرة حول:

  • إنهاء الحرب فوراً: يعتبر وقف النزيف البشري والمادي أولوية قصوى ولا يمكن التهاون فيها.
  • تخفيف معاناة السودانيين الإنسانية: تتجلى هذه المعاناة في الأرقام المفزعة للنزوح واللجوء التي تجاوزت 12 مليون شخص معرضين لخطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتفشي الجوع والأوبئة المستوطنة (مثل الكوليرا والحصبة)، وانهيار شامل لقطاع التعليم، واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جميع مناطق الصراع.
  • تحقيق توافق سياسي مدني شامل: يمثل هذا التوافق قاعدة صلبة وضرورية لبناء المستقبل، ويجب أن يضم كافة القوى المدنية المؤمنة بالديمقراطية والسلام.
  • إصلاح شامل وجذري لمؤسسات الدولة: يجب أن يتم هذا الإصلاح بما يتماشى مع قيم الديمقراطية، العدالة، والحكم المدني الرشيد، لضمان عدم تكرار الأزمات الماضية.

مسارات متوازية نحو السلام والعدالة: 

يؤكد التحالف على ضرورة أن تنطلق مسارات الحل بشكل متزامن ومتكامل، بحيث لا يُغفل أي منها أو يُقدّم على الآخر. تشمل هذه المسارات الأساسية:

  • المسار الإنساني: يهدف هذا المسار إلى تقديم الإغاثة والمساعدات العاجلة للمتضررين، خاصة في ظل الأزمة الإنسانية التي وصفتها تقارير دولية متعددة بأنها “الأسوأ في تاريخ السودان الحديث”، والتي تهدد حياة الملايين.
  • مسار وقف العدائيات/إطلاق النار: يُعتبر هذا المسار حجر الزاوية لإنهاء القتال المباشر، وتأمين حياة المدنيين، وفتح الممرات الآمنة لوصول المساعدات.
  • العملية السياسية (الحوار الوطني الشامل): تهدف هذه العملية إلى معالجة الجذور العميقة للأزمة السودانية بشكل شامل، والوصول إلى حل سياسي مستدام وعادل يضع البلاد على طريق التعافي الديمقراطي.

وشدد “صمود” على الأهمية القصوى لـتوحيد الرؤى والمواقف بين جميع القوى السياسية والمدنية السودانية المؤمنة بالتحول الديمقراطي وصولا لمائدة مستديرة تستبق أو تتزامن مع الاهتمام الدولي البادئ الان بملف السودان. كما أكد على ضرورة العمل على تنسيق المنابر المتعددة، وتوحيد الموقف الدولي، بما يشمل الفاعلين الرئيسيين من المجتمع الدولي، والمنظمات متعددة الأطراف (مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي)، وحتى “الترويكا العربية”. واقترح التحالف عقد اجتماع وطني شامل يضم كل الأطراف المعنية لتحديد الأدوار والمسؤوليات المطلوبة من هذه الجهات بما يتناسب مع المشروع الوطني المدني للسودان.

جسور التواصل الإقليمي والدولي:

تكمن أهمية مبادرة “صمود” في قدرتها على التفاعل الفعال مع المحيط الإقليمي والدولي لدعم جهود إنهاء الحرب وتحقيق الانتقال السلمي. ويعزز هذا من علاقات قيادات التحالف الواسعة إقليميًا ودوليًا، بوصفهم ممثلين أصيلين للمشروع المدني، بحسب ما كشف القيادي بالتحالف بابكر فيصل. وقد جاءت الزيارة الأخيرة للقيادات إلى جنوب أفريقيا كمثال ساطع على هذا الامتداد الدبلوماسي والحرص على بناء شراكات داعمة تسهم في إيجاد حلول للأزمة.

وفي لقاء إعلامي محدود جرى في القاهرة، ضم بابكر فيصل إلى جانب صديق الصادق المهدي، كشف عمر الدقير، القيادي البارز في “صمود”، عن خطوة عملية مرتقبة: عزم التحالف على مخاطبة طرفي الحرب في السودان بشكل رسمي حول رؤيتهم لوقف إطلاق النار خلال الأيام المقبلة. وأكد الدقير بوضوح أن الحرب الدائرة في السودان “لم تأتِ من السماء”، بل هي “نتيجة لأسباب تاريخية عميقة تعود إلى زمن بعيد” تضرب في جذور الدولة السودانية. وأشار الدقير إلى أن هناك “ارتباكًا وسط قوى الثورة” و”أخطاءً ارتُكبت” فاقمت من الوضع الراهن ومهدت الطريق للأزمة الحالية.

وحمل الدقير بشكل مباشر “الكيزان” (المؤتمر الوطني المنحل) المسؤولية الأساسية عن “التربص بقوى الثورة”، مشيرًا إلى دورهم المحوري والمستمر منذ فض الاعتصام وتربصهم بالحكومة الانتقالية وصولًا إلى الانقلاب الذي أطاح بالتحول الديمقراطي. ورغم هذا التحميل الواضح للمسؤولية، أكد الدقير أن “صمود” لا تحمل أي كراهية تجاه أي طرف، وأن “نحن نؤمن بأن الناس شركاء في الوطن”، وهي رسالة تهدف إلى بناء الثقة وإرساء أسس التعايش السلمي.

شدد الدقير على أن الهدف الأسمى في المرحلة الراهنة هو “إيقاف الحرب وإنهاء معاناة الناس وتقديم المساعدات الضرورية” التي لا يمكن تأجيلها، على أن يتبع ذلك فتح حوار سياسي وطني شامل يضع أسس المستقبل. واعتبر أن “التحدي الأكبر بعد الحرب هو أن يظل السودان وطنًا واحدًا” موحدًا ومتماسكًا في وجه محاولات التفتيت.

وفيما يتعلق بإصلاح المؤسسة العسكرية، أوضح الدقير أن “صمود” تهدف إلى “إنهاء حالة تعدد الجيوش الموروث من النظام السابق”، مؤكدًا على الضرورة القصوى لوجود “جيش واحد” مهني وقومي يتبع سلطة مدنية منتخبة بشكل كامل، ويعكس تنوع السودان. وجدد الدقير موقف “صمود” الثابت والرافض لوجود المؤتمر الوطني في أي عملية سياسية مستقبلية، مشيرًا إلى أن النظام الفيدرالي مطروح للنقاش كشكل من أشكال الحكم المستقبلي الذي قد يضمن توزيع السلطة والموارد. كما أوضح أن “صمود” لا تشترط أن تشكل الحكومة الانتقالية أو الدائمة من الأحزاب السياسية بالضرورة، بل تؤمن بأن تكون “حكومة كفاءات” مهنية وقادرة على إدارة شؤون البلاد في هذه المرحلة الحرجة.

اختتم الدقير تصريحاته بالتأكيد على أن “تحقيق العدالة” قضية لا يمكن التنازل عنها، مشددًا على أهميتها الجوهرية في بناء مستقبل مستقر للسودان يقوم على المساءلة وعدم الإفلات من العقاب. وصرح بأن “صمود” ستظل “تتواصل مع طرفي الحرب حتى الوصول إلى سلام شامل وعادل”، معربًا عن الإيمان الراسخ بأن “الحل سوداني” وينبع من إرادة الشعب، لكنه في الوقت ذاته، لم يتجاهل أهمية “دور الخارج” الفعال في دعم جهود السلام والاستقرار. وتطرح “صمود” رؤيتها بثقة عميقة بأن “شعبنا سوف يقبلها، وهو قادر أن يحول الضارة إلى نافعة”، محولاً محنة الحرب إلى فرصة لبناء سودان جديد.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.