
بقلم: حاجة فضل كرنديس
إن الحروب والصراعات المسلحة تشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات الإنسانية في العصر الحديث، حيث تترك آثارًا دامية ومتراكمة على مختلف مناحي الحياة، خاصة على قطاع التعليم، الذي يُعد الركيزة الأساسية لأي عملية تنمية وتطوير. في سياق السودان، الذي شهد موجات متتالية من النزاعات المسلحة منذ عقود، تتضاعف معاناة الفتيات خاصة، نتيجة لتدمير البنية التحتية، وانعدام الأمن، وزيادة الفقر، والعادات الاجتماعية التي تتغير وتتأثر بشكل كبير في أوقات الحرب. فتعليم البنات يُعد من أهم ركائز التنمية المستدامة، إذ يُسهم في تعزيز حقوق النساء، وتمكينهن من المشاركة الفاعلة في المجتمع، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
لكن، في ظل استمرار النزاعات، تتعثر مسيرة التعليم، وتتعرض حقوق البنات للتدهور، حيث تتزايد المعوقات، وتتضاعف المعاناة، مما يهدد مستقبل أجيال كاملة، وقد يعيق التنمية المجتمعية بشكل عام. وفي هذا السياق، سنحاول أن نستعرض بشكل مفصل المعوقات التي تواجه تعليم البنات في ظل الحرب، مع تحليل أسبابها، والتحديات التي تفرضها على المجتمع، بالإضافة إلى استعراض المعاناة التي تتعرض لها الفتيات، والمقترحات والحلول الممكنة لمواجهة هذه الأزمة.
أثر الحروب على نظام التعليم في السودان
تُعد الحروب من أكبر العوامل التي أدت إلى تدمير منظومة التعليم في السودان، حيث تسببت في خسائر فادحة على مستوى البنية التحتية، والكادر التعليمي، والطلاب، والمجتمع بشكل عام. ومن أبرز الآثار التي خلفتها النزاعات المسلحة على قطاع التعليم في السودان:
تدمير المدارس والبنية التحتية
شهدت مناطق النزاع تدميرًا واسعًا للمؤسسات التعليمية، حيث تعرضت المدارس للقصف، أو تم تحويلها إلى مراكز عسكرية أو أماكن للنازحين، مما أدى إلى توقف العملية التعليمية بشكل كامل، أو تقليصها إلى حد كبير. على سبيل المثال، في دارفور، تعرضت آلاف المدارس للتدمير أو الإغلاق بسبب الحرب، مما أدى إلى نقص حاد في المرافق التعليمية، وتراجع نسبة الالتحاق بالمدارس.
نزوح الأسر وفقدان الأمان
نتيجة للصراعات، نزح ملايين السودانيين من مناطقهم، ووجدت العائلات نفسها في ظروف قاسية، حيث أصبحت المدارس غير متاحة أو غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين. بنات الأسر النازحة يواجهن تحديات أكبر، فبالإضافة إلى فقدان المنازل، يواجهن صعوبة في الوصول إلى المدارس، أو البقاء فيها نتيجة لغياب الحماية، أو العنف الممارس، أو الزواج المبكر كآلية للبقاء.
ارتفاع معدلات الفقر وتدهور مستوى المعيشة
الحروب تؤدي إلى تدهور الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات الفقر، بشكل خاص في المناطق المتأثرة، حيث تفقد الأسر مصادر رزقها، وتصبح غير قادرة على توفير مستلزمات التعليم، خاصة للبنات، اللاتي يُنظر إليهن أحيانًا على أنهن استثمار أقل من ناحية التعليم، أو يُحرمن بعضهن من حقهن في التعليم بسبب العادات والتقاليد التي تتغير وتتأثر بشكل كبير في أوقات الأزمات.
آثار نفسية واجتماعية عميقة
علاوة على التدمير المادي، تترك الحروب آثارًا نفسية عميقة على الأطفال والفتيات على وجه الخصوص، حيث يتعرضن لصدمات نفسية نتيجة لمشاهد العنف، والقتل، والخطف، والاغتصاب، مما يؤثر على قدرتهن على التعلم، ويؤدي إلى تراجع في مستوى التركيز والانتباه، بل قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد، تعيق عملية التعلم والنمو الطبيعي.
المعوقات التي تواجه تعليم البنات في ظل الحرب
تتعدد المعوقات التي تحول دون استمرارية تعليم البنات في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها الحرب. وفيما يلي تفصيل لأهم هذه المعوقات:
انعدام الأمن والأمان
الأمن هو الشرط الأساسي لنجاح أي عملية تعليمية، وغيابه يهدد حياة البنات بشكل مباشر، خاصة في المناطق التي تتعرض لعمليات نزوح أو هجمات عسكرية أو عمليات خطف. عدم وجود حواجز أمنية أو قوات شرطة أو جيش قادرة على حماية الأطفال والمدارس يجعل من الوصول إلى المدرسة مخاطرة كبيرة، وقد يؤدي إلى وفاة أو إصابة العديد من البنات، أو إرغامهن على عدم الذهاب إلى المدارس خوفًا على حياتهن.
نقص الموارد المالية والبشرية
في ظل الحرب، تتراجع مصادر التمويل للدولة، ويقل الدعم الدولي، مما ينعكس على قطاع التعليم، حيث تقل المؤسسات الحكومية عن توفير المستلزمات الأساسية، مثل الكتب، والوسائل التعليمية، والأدوات المدرسية، وأجور المعلمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص الكوادر التعليمية المدربة على التعامل مع الأطفال في ظروف الحرب النفسية، يعيق تقديم تعليم فعال.
التحديات النفسية والصحية
تتعرض الفتيات لصدمات نفسية عميقة، نتيجة لمشاهد العنف، والاغتصاب، والتهجير، والتمييز، والعنف الأسري، مما يؤثر على قدرتهن على التركيز والتعلم. في بعض الحالات، يعانين من اضطرابات نفسية، أو اضطرابات جسدية، أو أمراض معدية، نتيجة لظروف النزوح، أو نقص الخدمات الصحية.
العادات الاجتماعية والتقاليد
في بعض المناطق، تتفاقم العادات الاجتماعية المحافظة، خاصة في ظل الحرب، حيث تصبح فرص تعليم البنات محدودة، وتُعتبر بعض المجتمعات أن تعليم البنات غير ضروري أو غير مقبول، أو يُنظر إليهن كعبء، أو يُفضل زواجهن المبكر على استكمال تعليمه، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والضغوط الاجتماعية.
غياب السياسات والتشريعات الداعمة
قلة السياسات الحكومية الواضحة أو التنفيذ الفعال للقوانين التي تحمي حقوق البنات في التعليم، خاصة في المناطق المتأثرة بالحروب، تضعف فرص حصولهن على التعليم، وتزيد من تعرضهن للاستغلال والتمييز.
المعاناة التي تتعرض لها البنات في ظل الحرب
بالإضافة إلى المعوقات، تتعرض الفتيات في مناطق النزاع لأشكال متنوعة من المعاناة التي تؤثر على حياتهن ومستقبلهن بشكل مباشر، نذكر منها:
انقطاع التعليم ومخاطر التسرب
تؤدي الظروف الأمنية الصعبة إلى انقطاع البنات عن التعليم، إما بشكل مؤقت أو دائم. فحتى عندما تتوفر المدارس، فإن العديد من الفتيات يضطررن إلى ترك الدراسة بسبب الظروف العائلية، أو الزواج المبكر، أو الحاجة لمساعدة الأسرة في الأعمال المنزلية أو الرعي، أو بسبب التهديدات الأمنية.
العنف الجنسي والاستغلال
تتعرض الفتيات في مناطق النزاع لارتفاع معدلات العنف الجنسي، والاعتداء، والاستغلال، خاصة في حالات النزوح، أو الاختطاف، أو استغلالهن في سوق العمل غير القانوني، أو الزج بهن في علاقات غير آمنة. هذا النوع من العنف يهدد سلامتهن النفسية والجسدية، ويزيد من معاناتهن، ويقيد فرصهن في التعلم والحياة المستقرة.
الزواج المبكر
تزداد معدلات الزواج المبكر في ظروف الحرب، حيث يُنظر إلى زواج الفتيات كوسيلة لحمايتهن، أو كوسيلة لتخفيف العبء على الأسرة، أو نتيجة لضغوط اجتماعية. الزواج المبكر يعوق بشكل كبير تحصيلهن العلمي، ويعرض صحتهن للخطر، ويحد من فرصهن في الحياة.
الفقر والتهميش الاجتماعي
الفقر يتفاقم في ظل الحرب، ويؤدي إلى تهميش الفتيات، حيث يُنظر إليهن على أنهن أقل قيمة، أو يُحرمن من حقوقهن الأساسية، بما في ذلك التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية.
الحلول المقترحة لمعالجة الأزمة
لا يمكن حل مشكلة تعليم البنات في ظل الحرب إلا من خلال جهود مشتركة، وتبني استراتيجيات طويلة الأمد، تركز على حماية الأطفال، وتوفير بيئة آمنة، وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفيما يلي بعض الحلول المقترحة:
توفير المأوى والحماية الآمنة
يجب إنشاء مراكز إيواء خاصة بالفتيات النازحات، تقدم خدمات تعليمية وصحية ونفسية، مع وجود حراس أمن مدربين. كما ينبغي تأمين مدارس متنقلة أو مدارس مؤقتة في المناطق التي يصعب الوصول إليها، لضمان استمرارية التعليم.
تعزيز وجود آليات حماية مدنية وقانونية لمنع العنف ضد الفتيات وضمان محاكمة الجناة.
Leave a Reply