
بقلم: ندى أبو سن
لا شك أن المرأة السودانية في ظل هذه الحرب قد تعرضت إلى عنف مضاعف. غير أن العنف ضد المرأة في السودان ظاهرة قديمة ومتأصلة في المجتمع. وأول مظاهر العنف ضد المرأة تبدأ من داخل الأسرة بـالتمييز ما بين البنت والولد وبتسلط الأخ الذي يتم بمساعدة الوالدين.
ثم ينتقل العنف إلى خارج المنزل ليظهر في شكل محاولات التحرش المنتشرة والابتزاز العاطفي وما يتم من تلاعب بعواطف الفتيات الصغيرات.
تعيش الفتيات في فترة المراهقة والشباب في حالة من الضغط النفسي والحصار داخل الأسرة ومن الخارج، إلى أن ينتقلن إلى منزل الزوج الذي قد يعرض الزوجة هو الآخر إلى أشكال مختلفة من العنف، وهو يحدث غالبًا بهدف السيطرة ويشمل ذلك الأفعال الجسدية والجنسية والنفسية والعاطفية والاقتصادية. وهذا النوع من العنف ضد المرأة هو الأكثر شيوعًا في العالم.
لكن أحد أهم أشكال العنف التي تسلط على النساء في المجتمعات الشرقية وتم الإغفال عن نقاشها ودراستها هو حق الأم المطلقة في الزواج. والذي يحارب أول ما يحارب من الزوج الأول وأبنائها، بالإضافة إلى نظرة المجتمع التي تعتبر زواج المطلقة أو الأرملة يعود إلى عدم مقدرتها على السيطرة على شهوتها، وكأن في ذلك إدانة، بينما في الزواج للمرة الأولى كان أحد أهم أهداف الزواج هو وضع شهوة الرجل والمرأة في مكانها الصحيح من خلال الزواج. فهل بحدوث الزواج الأول تنتهي هذه الرغبة الطبيعية الفطرية في خلق كل آدمي، رجلًا كان أو أنثى؟
في حالة الانفصال، يكمل الرجل حياته بشكل طبيعي ويتزوج ويعيش كافة تفاصيل الزواج مرة أخرى من حنة وزفاف حتى وإن كان أبًا لشباب. بينما تحاصر المرأة ويرفض المجتمع من حولها حقها الطبيعي في الحياة بعفة واطمئنان في كنف زوج آخر جديد مع وجود الأبناء. ويتم دفع المرأة إلى الوقوع في المحرم تحت وطأة حاجتها الجسدية والتي غالبًا ما يتم استدراجها وابتزازها عبرها.
والحقيقة أجد أن في هذا الأمر تناقضًا كبيرًا جدًا في مجتمع يدعي المحافظة والسعي إلى العفة بين أفراده، في وقت يدفع فيه بوعي تام إلى الرذيلة بتحريم ما أحل الله، متناسيًا قوله تعالى: “وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا” (النساء: 130).
وفي التاريخ الإسلامي المنقول، تزوجت العديد من الصحابيات بعد وفاة أزواجهن أو طلاقهن، وهذا أمر طبيعي في الإسلام. إذ لم يكن هناك أي عيب أو انتقاص من قيمتهن أو مكانتهن بسبب ذلك. بل على العكس، كان الصحابة يتسابقون للزواج بهن من باب الإكرام والاحترام.
لذا، لا بد للنساء من أن يكن واعيات لحقوقهن في الحياة بكرامة وشرف، وزواج الأم أمر لا يتعارض مع شرف الأبناء وكرامتهم طالما أن الأمر تم في إطار الحلال.
الحقيقة أن المطلقات يقع عليهن الكثير من أنواع العنف، ويحملهن المجتمع وحدهن مسؤولية حدوث الطلاق الذي يعتبر وصمة، وهو أمر مؤذٍ لنفسية المرأة المطلقة ويضعها في حالة من الحصار ويقيد حريتها وكل حياتها خوفًا من تصنيف المجتمع المسبق لها.
وحتى من تزوجن من المنفصلات غالبًا ما يتعرضن لظلم آخر من الزوج الجديد بسبب هذه النظرة القاصرة، والذي يعتبر زوجته “أصلًا مطلقة” فما المانع في طلاقها مرة أخرى ولا شأن له بمصيرها بعد أن يقضي منها وطره. وهناك نماذج كثير مخزية ومحزنة لظلم المطلقات والتلاعب بهن. لذلك تعزف الكثيرات منهن عن فكرة الزواج مرة أخرى خوفًا من هذه النظرة القاصرة والظالمة، وخوفًا من الفشل المحسوب عليهن أصلاً.
تعمد كسر النساء والتحرش بهن ظاهرة قديمة غير متصلة بالحرب. ظاهرة متأصلة في المجتمع السوداني. مشكلتنا دائمًا عند محاولة مناقشة أي قضية تتصل بسلوك أو مفهوم مجتمعي خاطئ، عادة ما تحدث مقاومة كبيرة للتغيير، وهو أمر يحدث في كل المجتمعات، غير أنه مؤخرًا في السودان ومع انتشار الوسائط، انتشر العنف اللفظي وتلفيق التهم والتنمر والإساءة، وقد يصل الأمر إلى حد اغتيال الشخصية. لذا لا بد لمن يتصدر لمناقشة أي قضية في الشأن العام السوداني أن يتحلى بقدر كبير من الشجاعة والصبر والقدرة على الحوار.
سيما ونحن الآن بصدد ثورة للتصحيح والتغيير السلوكي في مجتمعنا.
Leave a Reply