
بقلم: د.منال جنبلان
امرأة سودانية شَبَّتْ على إرثٍ هيأها لتكون قائدة بالفطرة، ملهمة لأبنائها وصلبة كالفوارس وقت الحمى. نشأت صبية فتية تُطلق الشعر منذ السابعة ولا تعلم بأنها ستحمل مستقبلًا واعدًا بأنها ستكون أمًا للنضال وأمًا للبعثيين.. هي أم محمد بلقيس علي إبراهيم أوكير.
نشأتها:
وُلدت بلقيس في حي العشير بمدينة الدامر حوالي العام 1945. والدها علي إبراهيم أوكير، و”أوكير” بلغة أهل البجا تعني الخير. ففي لغة البجا تُنطق الكاف خاء فيصبح “الخير” أوكير و”الشيخ” أوشيك، وهكذا. وتحوَّر الاسم من أوكير إلى عكير فلقب بـ “عكير الدامر”.
-صورة عكير الدامر-
تزوج أوكير، البجاوي من جهة والده والجعلي من جهة والدته، من منطقة نهر عطبرة، من منطقة مرزوقة بالكمالاب. درس أوكير في كلية غردون وعمل مترجمًا إبان الاستعمار الإنجليزي ثم موظفًا، لينتهي به المطاف قاضيًا في محكمة الدامر. ومدينة الدامر لم تكن غريبة عليه، فهو من قدم إليها بصحبة جدوده لـ “سوق السبت” وبيع الجمال، فالمدينة كانت مركزًا تجاريًا يفد إليها تجار الجمال من الشرق لبيعها في مصر.
على الرغم من طلاقة لسانه باللغة الإنجليزية، إلا أنه كان متمسكًا بإرثه البجاوي ولغة أهل البجا التي كان يدندن بها “الدوبيت” الذي يحب. ولم تمنعه “برنيطة” الموظفين من لبس الثوب البجاوي والسروال الكبير “البوجة” في لغة البجا و”العراقي” و”الملفحة”.
اشتهر في الدامر بثقافته وإجادته للغة العربية وعلاقته بالشعراء واجتماعهم في “ديوانه” الذي صار قبلة. وامتدت علاقته بشعراء الحقيبة في أم درمان وجلساته مع البنا وشعراء الدامر آنذاك، ولكنه تأثر جدًا بشعراء البطانة خاصة عبد الله حمد(ود الشدراني) وبثقافة أخواله الجعليين وبرز ذلك في شعره الحماسي.
هكذا مهدت هذه البيئة الخصبة بالموروث والشعر لتشكل مهدًا لشخصية الصبية بلقيس، إضافة إلى دعمه اللامتناهي لقضية تعليم المرأة في ذلك الوقت، ورفضه للعادات الضارة الموروثة من “ختان البنات” وعادة الزينة السودانية “الشلوخ”، الأمر الذي رفض أن يُمارس على ابنته مهددًا بالقسم: “أي واحدة تخت شلخ في بتي بديها طلقة من بندقيتي”، وهو كان من أشهر صيادي التماسيح وصيد الغزلان “القنيص”.
تأثرت الابنة بلقيس بالأب عكير وثقافته فأطلقت لسانها بما يشابه بيئتها وتقول في قصيدتها واصفة سحاب الخريف:
شالن وقلعن متل البنات في السيرة
والعبادي حاكا لي عريساً إيدو فيها حريرة
يقدحوا يومي بصوتو ويهز في الديرة
يخافن يدمعن تنزل دموع الحيرة
أشعرت في ختان أولادها الثلاثة الكبار قصيدة أصبحت “سيرة” في منطقة الدامر في ذلك الوقت، تقول في قصيدتها لأبنائها:
السيرة التسير والبخاف يتلم
محمد ما بخاف.. محمد عقود السم
تاني ما بهم.. عندي البشيلوا الهم
حلق يا صقر.. ما تخشى قول وندم
ناس بكور على رهن الإشارة لزم
تاني ما بهم.. عندي البشيلوا الهم
خالد من صغير.. عينو التقول الدم
أخضر جسمو ثابت.. جسمو حديدة صم
إلى أن تقول:
ديك بتقول يا مقنع بنات جعل العزاز منجم
أنا بقول ولدي للمايلة كلو لزم
تاني ما بهم.. عندي البشيلوا الهم
راجياك من زمان.. عندي ليك كلام
لو ما تحققو بتوبي ما إتلثم
تاني ما بهم.. عندي البشيلوا الهم
يتبع،،،،،،،،
Leave a Reply