السودان في عزلة: تداعيات مشاريع البنية التحتية الإقليمية على بورت

السودان في عزلة: تداعيات مشاريع البنية التحتية الإقليمية على بورتسودان
محمد شريف
في ظل الصراع الدائر في السودان، والذي أدى إلى شل حركة الاقتصاد وانهيار البنية التحتية، تبرز مشاريع إقليمية ضخمة لترسخ مكانة دول الجوار كمراكز حيوية للتجارة واللوجستيات، مما يهدد بتعميق عزلة السودان. إن التمويل الإماراتي لخط سكة حديد يربط إثيوبيا بميناء بربرة في أرض الصومال، إلى جانب خط أنابيب النفط من جنوب السودان عبر جيبوتي، لا يمثلان مجرد تحولات اقتصادية، بل إشارات واضحة على تهميش السودان كلاعب إقليمي رئيسي.

من الناحية الاقتصادية، كانت بورتسودان تاريخياً بمثابة الشريان الحيوي لشمال شرق أفريقيا. كانت الميناء الرئيسي لإثيوبيا وجنوب السودان، ومركزاً محورياً لحركة التجارة في المنطقة. لكن مع المشاريع الجديدة، سيفقد السودان جزءاً كبيراً من إيراداته من رسوم الموانئ والنقل، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية الخانقة. خط السكة الحديد الجديد يمثل بديلاً جذاباً لإثيوبيا، حيث يوفر طريقاً آمناً ومستقراً للتجارة بعيداً عن تقلبات الوضع في السودان. أما خط أنابيب النفط من جنوب السودان عبر جيبوتي، فهو ضربة قاصمة أخرى. فبدلاً من الاعتماد على البنية التحتية السودانية، التي تعرضت للتخريب وتفتقر إلى الأمان، سيتم تحويل صادرات النفط الرئيسية لجنوب السودان إلى مسار بديل، مما يحرم السودان من إيرادات حيوية كانت تعتمد عليها موازنته بشكل كبير.

من الناحية السياسية، تعكس هذه المشاريع عزلة السودان المتزايدة على الساحة الإقليمية والدولية. فبينما تسعى دول مثل الإمارات وجيبوتي وأرض الصومال لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها، يغرق السودان في صراع داخلي لا نهاية له. إن سياسات “سلطة الأمر الواقع” في بورتسودان، والتي فشلت في توفير الأمن والاستقرار وتعمل في عزلة عن المجتمع الدولي، دفعت الشركاء الإقليميين للبحث عن بدائل. هذه المشاريع هي بمثابة تصويت بالثقة على قدرة هذه الدول على توفير بيئة استثمارية آمنة ومستقرة، وفي المقابل، هي تصويت بعدم الثقة على السودان وقدرته على استعادة استقراره.

هذه المشاريع الجديدة ليست مجرد تطورات اقتصادية، بل هي مؤشرات سياسية قوية على أن السودان، بسبب حربه الداخلية وسياساته غير المستقرة، يتم تجاوزه على الخريطة الاقتصادية والسياسية الإقليمية. إنها تعزز من عزلة السودان وتعمق من أزمته، مما يجعل العودة إلى المسار الصحيح أكثر صعوبة من أي وقت مضى.