
لم تمضِ أيام على إعلان قائد الجيش تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، حتى تكشّف المشهد الحقيقي: رئيس بلا صلاحيات، وحكومة بلا رؤية، وبلاد تحترق بالحرب والانهيار الشامل.
تعيين إدريس جاء في سياق سياسي معقد، تصاعدت فيه الضغوط الداخلية والدولية لإنهاء الحرب، واستعادة مسار الحكم المدني، بعد أكثر من عام على اندلاع الصراع الدموي بين الجيش وقوات الدعم السريع. غير أن خطوة التعيين، التي رُوّج لها إعلاميًا بوصفها “انفراجة”، بدت في حقيقتها أقرب إلى الترقيع السياسي منها إلى انتقال حقيقي نحو حل وطني شامل.
“المدني” الذي لا يملك شيئًا
منذ تعيينه، لم يصدر عن الدكتور إدريس أي تصريح رسمي يوضح مهامه أو خططه. كما لم يُعلن عن حكومة جديدة أو حتى نُذر تشاور سياسي واسع. مصادر موثوقة أكدت لـ”الهدف” أن إدريس لم يُمنح سلطة اختيار وزرائه، وأن الملفات السيادية والأمنية والاقتصادية ما تزال تحت السيطرة المباشرة للقيادة العسكرية.
في الواقع، لا يملك إدريس – حتى لحظة إعداد هذا التقرير – صلاحيات في ملف الحرب أو السلام أو التفاوض أو حتى إدارة الشأن اليومي للدولة. إنه رئيس وزراء بلا أدوات، في نظام يُمسك بزمامه العسكر.
رسالة للخارج أم امتصاص للداخل؟
يقرأ محللون التعيين بوصفه رسالة موجهة إلى الخارج، وخصوصًا الأمم المتحدة وبعض القوى الإقليمية التي تربط بين دعمها للسودان ووجود حكومة مدنية. ويُرجّح أن يكون التعيين محاولة لكسب الوقت، وتخفيف الضغوط، دون نية حقيقية لنقل السلطة إلى المدنيين.
أما داخليًا، فقد ترافق التعيين مع حملة إعلامية لإيهام الرأي العام بوجود “انفراج سياسي”، رغم أن الواقع لا يزال كما هو: حربٌ ضروس، اقتصاد منهار، ملايين النازحين، وانسداد كامل في الأفق السياسي.
أزمة شرعية تتعمّق
تعيين رئيس وزراء من قبل قائد الجيش يُثير تساؤلات دستورية وأخلاقية، إذ يأتي خارج أي شرعية دستورية أو توافق سياسي. فهل يُمكن اعتبار هذا التعيين خطوة نحو الاستقرار، أم مجرد إعادة إنتاج للسلطة العسكرية بواجهة مدنية جديدة؟
الأوساط الثورية والمدنية عبّرت عن رفضها لهذا النمط من التعيينات الأحادية، واعتبرته “تجاوزًا لإرادة الشعب”، ومضيًا في سياسة “الواقع المفروض بالقوة”، بعيدًا عن أي توافق أو انتقال ديمقراطي.
مستقبل هش ومفتوح على الأسوأ
بينما تمضي البلاد في عامها الثاني من الحرب، وتتعاظم الكارثة الإنسانية، يظهر تعيين إدريس كـ”مناورة تكتيكية” أكثر من كونه تحولًا جوهريًا. ومادامت السلطة الحقيقية محتكرة في يد العسكريين، فإن رئيس الوزراء المعيّن لا يمثل مشروع إنقاذ، بل حلقة جديدة في مسلسل إدارة الأزمة بدل حلّها.
هل يستطيع إدريس أن يخرج عن النص؟
يبقى السؤال مفتوحًا:
هل يستطيع الدكتور كامل إدريس تجاوز مواقف قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ومن يمتلكون القرار الحقيقي من خلف ستار، ويفتح حوارًا وطنيًا جادًا مع القوى السياسية الرافضة للحرب؟
أم أنه سيكتفي بترديد الرواية الرسمية، ووصم تلك القوى بالخيانة أو بكونها “ظهيرًا سياسيًا” لقوات الدعم السريع، كما تفعل الآلة الدعائية العسكرية منذ اندلاع الحرب؟
كلمة “الهدف”
إن تعيين المدنيين في مواقع شكلية لن يغيّر من واقع الحرب والانهيار شيئًا، ما لم يرتبط ذلك بتغيير جذري في منهج الحكم، وبناء سلطة وطنية انتقالية متوافق عليها، تُنهي الحرب وتفتح الطريق نحو التحول الديمقراطي الحقيقي. أما تعيينات تُصاغ في الغرف المغلقة وتُفرَض من أعلى، فلن تنتج إلا مزيدًا من التيه.
Leave a Reply