الأدب السياسي في مواجهة خطاب الكراهية.. عندما يصمت الفن ويعلو صوت الضمير

بقلم: أمجد أحمد السيد

#ملف_الهدف_الثقافي

في لحظات التحول الكبرى التي تمر بها الشعوب، يكون للفن دور حاسم في قيادة الوعي الجمعي نحو الأمل والإنسانية، إذ لا يُنتظر من الأغنية أو القصيدة أن تصفّق للرصاص، أو أن تروّج للانتقام والكراهية. بل إن تاريخ الفنون عبر العصور ارتبط جوهريًا بدعوة الناس إلى السلام والوئام ومجابهة الظلم بالكلمة الحرة والخيال الجميل. ولكن في المشهد السوداني الراهن يحدث العكس.

فقد خذل كثير من الفنانين والشعراء السودانيين رسالتهم الإنسانية إما بالصمت المريب أو بمشاركة مباشرة أو غير مباشرة في ترويج خطاب الحرب والانقسام. لقد بدا واضحًا أن جزءًا كبيرًا من الوسط الفني انساق وراء الاستقطاب السياسي أو الطائفي أو الإثني، فتحولت الأغنية، التي وُلدت من رحم الشعب لتعبر عن آلامه، إلى أداة تأجيج وتحريض وتضليل. وما زاد الطين بلة أن هذا الصمت أو التواطؤ تزامن مع أسوأ كارثة إنسانية تمر بها البلاد: حرب أهلية ونزوح وتمزيق للنسيج الاجتماعي وتفكك وطني مريع.

فهل حان الوقت كي يتقدم الأدب السياسي ليملأ هذا الفراغ؟ وهل يمكن للكلمة السياسية الواعية، الصادقة، المرتبطة بالوجدان الشعبي، أن تتحول إلى مشروع مقاومة للكراهية والاقتتال؟ الجواب: نعم، وبكل قوة.

لقد أنتج تاريخ النضال السياسي في السودان أدبًا عميقًا متجذرًا في هموم الناس ورافضًا للاضطهاد والطغيان من أشعار: محمد المكي إبراهيم، ومحمد الحسن سالم حميد، والتجاني حسين، وحسن بكري، ومحجوب شريف، وأغنيات محمد وردي، ومحمد الأمين العطبراوي، والكابلي، وعثمان حسين، ومصطفى سيد أحمد…..إلخ. الأدب والإبداع لم يكنا يومًا محايدين أمام القهر أو الحروب، بل وقفا في وجه السلطوية ودافعا عن إنسانية الإنسان وفضحا خطابات الكراهية المقنّعة بالدين أو العرق أو الجهوية.

في ظل هذا الانهيار القيمي للفن التجاري والتصحر الروحي لقطاع واسع من الساحة الفنية، آن للأدب السياسي أن يعود إلى منصته الطبيعية: أن يكتب شعراؤه ومثقفوه ومغنوه أغنيات للسلام، للضحايا، للأطفال الذين فقدوا الأمل، وللنازحين الذين يعبرون الحدود حاملين وطنهم في حقائب الذكريات. آن لهم أن يصوغوا رسائل الحب ضد القتل وأن يفضحوا بلغة شعرية راقية خطابات التحريض الإعلامي والفتاوى الدموية والأناشيد المسمومة، التي تُبث من منصات الحرب.

ليس مطلوبًا أن يكون الأدب والإبداع تابعين لحزب أو تيار، بل أن يكونا منحازين للضمير، أدب وإبداع يقفا ضد الحرب بصوت مرتفع ويُعريا الكراهية مهما كان لباسها ويُعيد للفن روحه الثائرة النبيلة. لقد صمت الفنانون فليتكلم الأدباء، لقد هتف البعض للحرب، فليغنّ الشعراء للسلام.

إن الكلمة ما زالت تملك قوتها، وما زال بإمكان قصيدة أن تغير وأغنية أن توحد ومقال أن يوقظ. فلتكن البداية من هنا، من أدب لا يخشى قول الحقيقة ولا يتاجر بدماء الناس، بل يصنع جسورًا نحو الوطن الممكن، وطن تتعانق فيه الكلمات بدلًا من أن تتصادم البنادق.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.