
بقلم: د. بهجة معلا
#ملف_الهدف_الثقافي
يُحكى أن أحد العرب كان يسكن أطراف المدينة، وقد اشتهر بكرمه للضيف. في يوم زاره ضيفٌ أهلكه الجوع، فذبح له وأكرمه غاية الكرم. وفي الصباح شكر الضيف الرجل وأخبره بأنه لص، لكنه تاب، وإنه بعد كرم ضيافته له قد أصبح متمسكًا بالتوبة. أعجب الأعرابي بصدق الضيف (الحرامي) وطلب منه المكوث ليلة أخرى احتفاءً به. أقام الضيف ليلة أخرى، وفي منتصف تلك الليلة قام بسرقة المواشي والدقيق، وترك لصاحب المنزل رسالة قال فيها إنه مريض بداء السرقة، وإنه لم يجد لمرضه علاجًا. وطلب من مضيفه أن يعذره، فهو لم يكذب عندما قال إنه قد تاب، لكن المرض قد اشتد عليه، لذلك فقد سرقه.
هذا ما يحدث فعلًا في بلدي الحبيب، يعتلي المفسد المنصب، ويعلن توبته ويبرئ ذمته من المال العام، يبيت ليلته كما الضيف، ثم (يتأوره) المرض وينسى من يكون، فيعود للسرقة بطرق لا تخطر على بال شيطان.
لقد ظلت محاربة الفساد أكبر معضلة في تاريخ السودان، حتمًا ليس بسبب أن شعبه مصاب بمرض السرقة، بل بسبب غياب القانون وعدم تطبيق العدالة. الفساد هو اسم الدلع للسرقة. والفاسد هو اسم الدلع للحرامي، الحقيقة هو حرامي ابن ستين حرامي، يسرق قوت الشعب. لا قانون يردع هؤلاء المفسدين. لو أن الدولة حاكمت وزيرًا أو مديرًا أو حتى موظفًا في أي مؤسسة لأصبحنا قبل الحرب دولة ذات سيادة وريادة واقتصاد لا يقهر. الحكاية تواصلت حتى بعد الحرب. في ظل الحرب الدولة تقبض على من سرق معزة وتحكم عليه بالسجن، وتترك من سرق ثروة البلد الحيوانية كلها.
ما دعاني لكتابة هذا المقال (حكومة الأمل)، التي تنبأ بها رئيس الوزراء د. كامل إدريس. فمن بين الهيئات التي قرر إنشاءها في حكومته، هيئة سماها: هيئة الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، ويبدو من اسمها ما المقصود منها. السؤال الذي يتبادر، هل نحن في حاجة لمؤسسة بهذا المعنى، هيئة جديدة نفتح لها بنود صرف مالية لمدير وموظفين وعربات؟ نحن لا نحتاج لمؤسسة جديدة، يصرف عليها قوت الشعب من أجل مراقبة الفساد والمفسدين.
عندما تولى سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الخلافة طلب من زوجته أن تختار بين حياة الملوك والخدم والقصور، وبين أن تُعين زوجها على الإصلاح، فاختارت أن تتخلى عن حياة النعيم، وتُعين زوجها ليتخلى هو أيضًا عن عيشة الملوك، ويا نِعْم ما اختارت. يقال إن سيدنا عمر دخل مرة بيت مال المسلمين، فزكمت أنفه رائحة عطر يخرج من بيت المال، فسد أنفه خشية أن يُسأل يوم القيامة عن هذا.
أقول.. نحن لا نحتاج هيئة شفافية ونزاهة على قدر ما نحتاج لأشخاص يمثلون الشفافية والمصداقية، يتخلون عن حياة النعيم، وعندما يخرجون من الخدمة لا يأخذون معهم غير القلم الذي كان معهم، نحن نحتاج لصحوة ضمير. هذا السودان يستحق أن ينهض بصدق أبنائه ونزاهتهم، لا أن يُهدم بأيديهم. سودان لا مكان فيه للمفسد والحرامي في أي مؤسسة أو موقع عام. سودان يُطبق فيه القانون وتسود فيه العدالة على الجميع. فلنفكر في تطبيق القانون قبل أن نفكر في إنشاء مؤسسة جديدة تضاف إلى مؤسسات الفساد القائمة.
Leave a Reply