
بقلم: أ.د. سمير عبدالرحمن الشميري
كاتب من اليمن
#ملف_الهدف_الثقافي
تسحرني القراءة والكتابة منذ نعومة أظافري، وأتذكر جيدًا عندما كنت صبيًا لم أرشد بعد، كيف كان أبي يحزم كتبه وأوراقه ويتأبطها متجهًا صوب البحر، حيث كان يجلس فوق تلة صغيرة يطل منها على بحر حقات (كريتر-عدن)، وينثر صحفه وكتبه ومجلاته على الأرض ويتسمر فوق التلة البركانية يقرأ ويكتب ويتأمل ويسافر بعقله وروحه في غابات وبحار ومحيطات الكتب، ثم يتوقف ما بين الفينة والأخرى في فسحة ذهنية يتذكر ما قرأ ويعلق على هوامش الأوراق يبين ما فيها من معلومات وأفكار ومعارف بطريقة مبتسرة.
للقراءة طقوس لذيذة لا يفهمها إلا من أدمن حب الكتب والمكتبات وعشق الأحرف وكسر شرنقة التيبس الفكري، فصالات القراءة فيها جو من الرهبة والخشوع، فيها نسمع همس الكتب وهتافها الروحي ومناجاتها لعقولنا وأفئدتنا.
في مشرق عمري وطنت نفسي على القراءة والدرس في البيت والمدرسة والمكتبات وفي الفضاء العمومي، وثابرت على شراء الكتب والصحف والمجلات بتشجيع من أسرتي وتابعت آخر الإصدارات في عالم النشر، تعلمنا لغة الإشارات والكلام المهموس في قاعات المطالعة وقت الضرورة.
مكتبة مسواط في مدينتي الأنيسة كريتر-عدن فتحت أعيننا على العالم ووطدت صداقتنا بالكتب والمجلات والصحف وزرعت في نفوسنا عشق القراءة ورعشة التساؤل وحب الاستطلاع.
في سنوات الدراسة الجامعية وما قبلها، زاد نهمي للقراءة وتمكنت عروتي الوثقى بالكتب والمكتبات وتأثرت بالهامات السوسيولوجية والفكرية والأدبية والثقافية اللامعة، الذين أكلت الكتب أبصارهم، الذين لا يبارحون المكتبات إلا عندما توصد أبوابها ويكونون أول الوافدين إليها في الصباح الباكر.
ولا ضير أن أشير أن الأديب والمفكر الإنجليزي الساخر برنارد شو، عاش في مطلع حياته فقيرًا وشقيًا، ينهشه الجوع وتصطك أسنانه من البرد والزمهرير، لرداءة سترته المهلهلة، وقلة حيلته.. كان يقضي سحابة يومه في مكتبة المتحف البريطاني يشبع الظمأ الثقافي والمعرفي حيث كان يجد غذاءً ثقافيًا وروحيًا.
بعد حين من الزمن أصبح أديبًا ومفكرًا مشهورًا يشار إليه بالبنان وصاحب ثروة طائلة لم ينس حياته المندغمة بالفقر المدقع، عندما كانت تلفظه الشوارع والبنايات والأسواق والمتنزهات وينظر إليه الناس بعين من الازورار وتسكنه غربة نفسية وروحية مريرة، فيجد الدفء ومتعة نفسية وذهنية في ردهات وقاعات مكتبة المتحف البريطاني يقرأ بنهم منقطع النظير، فأراد أن يرد الجميل لمكتبته المفضلة، فخصص مبلغًا من ثروته لترميم وتطوير مكتبة المتحف البريطاني في لندن.
فالمكتبات والكتب لها بصمة عزيزة في قلوب المثقفين والقراء وأهل الذكاء والكيس، وهي غذاء للروح والعقل، وكلما كانت هناك قطيعة مع الكتاب والعلم والمعرفة، كلما تفشت فيروسات الجهل وتوطن التخلف والتعصب العقلي والانحدار الروحي وتفشت الأمية الأبجدية والفكرية وجهنمية البطون.
Leave a Reply