
#ملف_الهدف_الثقافي
“أنا من دعاة التغيير المجتمعي.. ابحث في الكتابة عن نفسي، وما وراء الأشياء.. طموحي أن أكتب أدبًا جيدًا؛ فالأدب الجيد هو ما يبقى ويخلد.”
حاوره: مجدي علي
إن صح التصنيف، فهو من جيل الشباب، كاتبٌ مُجيد، قدم إلى المشهد الثقافي والروائي في صمت وقوة. امتلك الأدوات التي تؤهله ليحجز موقعًا متقدمًا بين أبناء جيله من الكتاب الشباب. تُوج جهوده في الكتابة والنشر مؤخرًا بإصدار مجموعة الأعمال الكاملة، التي تضم رواياته المنشورة: “بِتّاتْ حارسة“، “سردية صغرى“، “شاخيتو – بوابة بوهين الضائعة“، “هاشتاق – أحلام سائلة“، “التيه – معزوفة الفجر الكذوب” ورواية “الناجي الغريق“، بالإضافة إلى إسهامات مقدرة في مجال النقد. ما يميز كتابات الروائي والكاتب ممدوح أبارو، بحسب رأي عدد من النقاد، هو قدرته الهائلة على تجويد البناء الروائي، وتأسيس الخلفيات الزمانية والمكانية ورسم ملامح الشخوص بدقة، والحبك المحكم القابض على الوقائع وسبك التفاصيل. وربما أن هذه السلاسة هي التي أهلت روايته “الناجي الغريق” لتنال جائزة الطيب صالح للإبداع الروائي في العام 2020.
في هذا الحوار مع “ملف الهدف الثقافي” يُلقي ممدوح أبارو، المقيم بالعاصمة القطرية الدوحة، بعض الضوء حول محطات من مسيرته، وموقفه من بعض القضايا التي تشغل الاهتمام:
- في “الناجي الغريق” قدمت محاكمة معلنة لما خلفته سياسات النظام الاستبدادي السابق في إقليم دارفور وما تبعها من مآسٍ واختلال للأمن وتدمير للبيئة بسبب اعتداءات الجيش على المواطنين بحثًا عن المعادن النفيسة، وما تبع ذلك من هجرة المواطنين إلى المدن؟ نعم، بالطبع من مهام الرواية معالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وآثارها على المجتمع، معالجة سردية. هي ليست محاكمة بالمعنى الصريح، بل معالجة اجتماعية لآثار النظام السابق وما خلفته على المستوى الجمعي. الأدب عمومًا والرواية بخاصة لا تحاكم، بل تطرح أسئلة عن جذور المشكلات. في كتاباتي دائمًا ما أُشرك معي القارئ، فأنا لا أكتب أدبًا جاهزًا، وكذا لا أشرحه.
- في رواية “شاخيتو – بوابة بوهين الضائعة” تدور عجلاتك مع التاريخ، ومجد الأجداد الذي ضاع!؟ قيل إن التاريخ يكتبه المنتصر، وأنا أظن أن التاريخ يفقهه الفطن. لقد ظل تاريخ السودان القديم مطموسًا ومحرم الحديث عنه في كتب المدارس، بل وُضع بدلًا عنه تاريخ أوروبا والعالم العربي. وهي لَبِنَة وضعها المستعمر وسار عليها نخب البلاد من بعد للأسف. التاريخ لا يعود، ولا يتم بعثه من جديد؛ بل يُستلهم في فهم الحاضر واستنباط المستقبل، ثم إن من العبث التصديق بأن الماضي يمكنه أن يحل قضايا المستقبل. الرواية لا تكتب تاريخًا، بل تستنطق التاريخ بحبكة أدبية وخيالية. شاخيتو رواية “ميتا تاريخانية” أي تاريخ متخيل، يستند على حقائق تاريخانية تتفق والمنهج التاريخي بطريقة سردية أدبية.
- أنت من مواليد وسط السودان في ود مدني، وعوالم رواياتك تطوف تلك البيئات غربًا وشمالًا وتدوّن الأحداث في تجربة تتطور جغرافيًا. أسأل عن ملكات الخيال عند الكاتب وعلاقتها ببيئته وواقعه؟ الكاتب ابن بيئته ويتفاعل مع المعطيات من حوله، والكتابة والإبداع بعموم يتشكل من صور ذهنية من ذاكرة المؤلف؛ بالتالي البيئة مؤثر قوي على ملكات الكاتب. في زمن ما قبل الثورة كنا مجبرين على الكتابة برمزية عالية، مغبة تعنت السلطة ومنع النشر، وقد اختلف الحال بعد الثورة. إضافة إلى أن نضج الكاتب يتناسب طرديًا وتجربته الكتابية.
- ما الذي كان يشغلك عندما كتبت “التيه معزوفة الفجر الكذوب”، وبدقة أكثر ما الذي يشغلك ككاتب؟ ككاتب تشغلني رسالتي في التغيير، فأنا من دعاة التغيير المجتمعي أولًا. ثانيًا أبحث في الكتابة عن نفسي وعن المعنى من وراء الأشياء، وهو جوهر ما يضنيني كقارئ أيضًا. عندما كتبت التيه؛ كنت مهمومًا بالتغيير الاجتماعي، الذي غطى عليه التغيير السياسي، وأصدقك القول إن قلت إن “التيه معزوفة الفجر الكذوب” هي أكثر عمل عانيت في كتابته! أن تتقمص، وتلك هي طبيعتي مع الكتابة، أن أعيش عوالم الشخصية وأتفاعل معها لدرجة التقمص، فشخصية البطل في الرواية مختلفة ومفارقة تمامًا لشخصيات وأبطال الرواية السودانية المعروفين؛ فجل إن لم يكن كل أبطال الروايات السودانية هم من المثقفين، بل اليسار الثقافي على وجه التحديد، لذلك عانيت معها كثيرًا.
- قلت في حوار بعد الثورة أن الأدب في السودان ما زال يترنح. كيف تقيم حاله اليوم في ظل تنامي خطابات الحرب والكراهية؟ أدب الثورة في السودان لم يتشكل بعد في ظني؛ فهذه الثورة العظيمة لم تأخذ حقها في التوثيق، فضلًا عن معالجتها فنيًا ودراميًا. أما الحرب فلم تضع أوزارها بعد، لكن للمثقف بعموم وليس الكاتب فقط؛ دوره في التوعية، وفي مجابهة صوت وخطاب الكراهية والظلم، وإعلاء راية الجمال على معول الهدم والدمار.
- لديك تجارب في النقد، كيف ترى مساره، وهل يصلح الكاتب ناقدًا؟ النقد لاحق للكتابة بالأساس. غير أنه تأخر كثيرًا في السودان ربما بسبب احتكار القلة من الأكاديميين لهذا المضمار، بإلباسه لبوس الغموض وخلع هالة من الإبهام حوله. النقد رديف الأدب، والقارئ الحصيف ناقد مجيد دون قلم وربطة عنق. كذلك الكاتب الجيد هو ناقد بالضرورة، والكاتب الذي لا يقرأ عمله بعين القارئ سوف يغفل عن الكثير في كتاباته. والنقد هو ما يطور الأدب برفعه للجيد منه، فالإنتاج الكمي مطلوب لكن النقد هو غرباله.
- دشنت مؤخرًا أعمالك الكاملة، هذه الخطوة عادة ما تعلن نهاية مشروع الكاتب في الكتابة!؟ ليس كذلك. هي محاولة لكسر النمطية؛ دشنت الأعمال الكاملة الباقة الأولى من أعمالي؛ فقد اعتدنا الاحتفاء بالكاتب وأعماله بعد رحيله، وهو ما أحاول عمله في حياتي، احتفاءً واحتفالًا بالحياة والعطاء.
- أنت صاحب مقولة (الشرح يخون النص، والرمز يؤازره، وسلاح الكاتب؛ أناه ضد الابتذال)، أين تقع عيون قلبك وأنت مقبل على أي عمل جديد؟ أن أكتب أدبًا جيدًا؛ فالأدب الجيد هو ما يبقى ويخلد في أذهان القراء وبين أرفف المكتبات.
Leave a Reply