
بقلم: أسامة عبد الماجد بوب
في صمت قاعات التفاوض وهدير الطائرات المسيّرة، تُرسم خرائط الشرق الأوسط الجديد بالحبر الأسود لاتفاقيات مشبوهة تُوقَّع تحت طاولة الأخلاق. كل شيء بات ممكنًا في زمنٍ سقطت فيه المعايير، وذُبحت المبادئ على مذبح الابتزاز المتبادل. إنه زمن حرب الاتفاقيات، حيث تُمارَس السياسة كنوع من البلطجة الدبلوماسية، ويصبح بوس اللحى بديلاً عن الإرادة الحرة، والحوار مرادفًا للترويض.
قالها دونالد ترامب، رئيس القوة العظمى، بلا حياء: نشكر إيران التي أخطرتنا مسبقًا قبل قصف قاعدة العديد في قطر. لم تكن زلة لسان، بل إعلانًا رسميًا عن مسرحية محكمة الإخراج: إيران ترد، وأميركا تشكر، وإسرائيل تقصف، بينما الرعاة الدوليون يتبادلون الابتسامات في مسقط، وتُدار الحروب بالتحكم عن بُعد من غرف عمليات التفاوض.
لا قيَم هنا، ولا شرف. مجرد أجساد تتناثر على الهامش، وأبراج تتهاوى في الخلفية لتفسح المجال أمام إعادة رسم خريطة المنطقة بقواعد جديدة: كل دولة بما اصطادت، وكل طرف بما فاوض، وكل ضربة بما رُتّب لها خلف الكواليس. حرب بلا دموع. صواريخ بلا هدف. وخصوم بلا عداوة.
لقد أصبح الحلف الأميركي – الإسرائيلي – الإيراني، في بعض لحظاته تحالفًا في تقاطعاته، أكثر منه عداوة في شعاراته. الغزل السياسي بين واشنطن وطهران – برعاية عمانية – يتم وسط دخان المعارك، فيما يُترك الإعلام ليُلهي الشعوب بمشاهد التدمير المكرورة، بينما تتسلل الاتفاقيات من تحت الرماد.
وهكذا، في ذروة الهجوم الإسرائيلي على إيران، وفي ظل تبادل الصفعات تحت سقف التفاهمات الأميركية، تهيأ المسرح لفصل جديد من العبث الهندسي بمستقبل المنطقة. تنشغل الشعوب بأكاذيب الحرب، بينما تتجه خناجر إعادة التقسيم إلى خاصرة فلسطين، حيث تُغتال الكوفية، وتُطوى خرائط المقاومة، ويُختزل النضال في شعارات فارغة.
وها هو الفصل الثاني يطلّ: تقسيم الكعكة، اقتسام النفوذ، وتثبيت الكيانات الهشّة. كل طرف يخرج بما نال، فيما تُترك الشعوب تحت ركامها، تلعق الخسارة، وتدفن موتاها بلا شهود.
لكن، رغم كل ذلك، تبقى فلسطين – بما تمثّله من رمزية وشهادة واستعصاء – عصيّة على القسمة الدولية. إنها الذاكرة التي لا تُطمَس، والاسم الذي لا يُمسح، والحق الذي يفضح كل خريطة لا تُكتب بالدماء.
وأخيرًا، يُسدل الستار على المشهد حينما يتعانق الطرفان…
Leave a Reply