“صرخة حبوبة”: حين تكون الكلمات أقوى من الجلاد، والحقيقة تسخر من كل إزالة

في زمنٍ يتأرجحُ فيه السودانُ بين أنيابِ الحربِ ووطأةِ الخريفِ القادم، بزغت من شمال الخرطوم بحري، من بين ركامِ المنازلِ المهدمة في منطقة “نبتة”، صرخةٌ اخترقتْ صمتَ الوجع.

إنها صرخةُ “حَبّوبة”، تلك الجدّة التي تجسّدت فيها كلُّ آلامِ وطنٍ مزّقته الصراعات.

انتشرَ المقطعُ كالنارِ في الهشيمِ عبرَ وسائطِ التواصل الاجتماعي؛ صوتٌ مُتهدّج، كلماتٌ تتكسّرُ على حافةِ اليأسِ والقهر، وهي تُطلقُ نداءً احتجاجيًا مُرًّا بعد أن أتتْ آلةُ الهدمِ على منزلِها.

أيُّ قسوةٍ هذه؟ وأيُّ قرارٍ ذاك الذي يُلقي بجدّةٍ في عُمقِ المجهول، يُشردُها مرةً أخرى، لا من ويلاتِ الحربِ التي أزّت، بل من يدِ “سلطةٍ” كانَ الأحرى بها أن تحمي وتُطَبْطِب؟

الخرطومُ، مدينةُ النيلين، تتحوّلُ إلى أطلالٍ تُعانقُ السماءَ بغبارِها، وسكانُها يتشبثون بخيوطٍ واهيةٍ من الأمل.

كيفَ لقلبِ “حَبّوبة” أن يحتملَ هذا العبءَ الجديد؟

منزلٌ كانَ يوماً ملاذًا، جدرانٌ تحكي حكاياتِ العمرِ وذكرياتِ الأهل، باتتْ كومةً من ترابٍ يلفظُ أنفاسَ تاريخٍ طويل. والخريفُ على الأبواب، بفصولِه الماطرةِ التي ستُحوّلُ الركامَ إلى وحلٍ، وتزيدُ من قسوةِ المعاناةِ على من لا يجدونَ مأوى.

إنها مأساةٌ تُضافُ إلى مآسٍ لا تُحصى، صرخةُ “حَبّوبة” ليستْ مجردَ صوتٍ عابر، بل هي مرآةٌ تعكسُ عمقَ الجرحِ في هذا الوطنِ المنهك، ودليلٌ آخرُ على أنَّ ألمَ الإنسانِ يظلُّ الخاسرَ الأكبرَ في لعبةِ الحروبِ والقراراتِ العشوائية.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.