
بقلم: حمدي صلاح الدين
تُعد المدرسة والجامعة، وسائر مؤسسات التعليم العام والعالي، من أهم مصادر المعرفة، إلى جانب الأسرة والشارع ووسائل الإعلام.
وتقوم هذه المؤسسات التعليمية على ثلاث ركائز أساسية:
- 1. الجانب الأكاديمي:
تزود المدرسة والجامعة الطلاب بالمعارف العلمية والأكاديمية، ويتم بناء هذه المعارف تدريجيًا ضمن منهج متكامل.
- 2. الجانب المهاري:
يكتسب الطلاب مهارات متنوعة من خلال الأنشطة اللاصفية، التي تهدف إلى تنمية قدراتهم وتوسيع مداركهم بشكل تدريجي.
- 3. الجانب السلوكي:
تعزز المؤسسة التعليمية من السلوكيات الإيجابية لدى التلاميذ، وتعمل على تصحيح السلوكيات الخاطئة.
بالإضافة إلى ذلك، توفر المدرسة والجامعة بيئة تعليمية آمنة ونظيفة، كما تتيح للطالب فرصة التفاعل اليومي مع أقرانه، مما يعزز مهارات التواصل الاجتماعي والتعبير عن الذات.
غير أن هذه القيم تُبنى تدريجيًا طوال العام الدراسي، وتبلغ ذروتها في منتصفه ونهايته، ثم تبدأ بالتآكل خلال الإجازة الصيفية نتيجة التغير المفاجئ في نمط الحياة، حيث يغلب النوم والاسترخاء واللعب، ويُغفل الكثيرون أهمية الحفاظ على الاتصال بالأنشطة التعليمية والمهارية.
وما لا يدركه كثيرون، أن ظاهرة “فقدان التعلم الصيفي” أو Summer Learning Loss هي حقيقة علمية مثبتة، تشير إلى فقدان الطلاب نسبة ملحوظة من المهارات الأكاديمية خلال العطلات الطويلة إذا لم ينخرطوا في أنشطة مفيدة.
تشير الدراسات إلى أن الطالب قد يفقد ما يقارب 30% من مكتسباته الأكاديمية خلال العطلة، وخاصة في الرياضيات والقراءة. ويكمن الخطر الأكبر في الانقطاع الطويل عن نمط التعلم المنظم، مما يصعّب استرجاع المعلومات لاحقًا.
ما الذي يمكن فعله؟
يجب على أولياء الأمور السعي للحفاظ على ثلاثة محاور أساسية خلال العطلة الصيفية:
- 1. الجوانب الأكاديمية الأساسية.
- 2. المهارات العملية والشخصية.
- 3. مهارات التواصل الاجتماعي.
خطوات عملية مقترحة:
- 1. إتاحة راحة قصيرة:
منح الأبناء أسبوعًا إلى عشرة أيام للراحة التامة من ضغوط الدراسة.
- 2. الأنشطة الجماعية:
إشراك الطالب في نشاط جماعي منتظم مع أقرانه مثل كرة القدم، السباحة، أو أي نشاط يستهويه، مما يساعده في الحفاظ على تواصله الاجتماعي.
- 3. قراءة منتظمة:
اختيار كتاب ثقافي أو علمي، يقرأ منه الطالب فصلاً كل ثلاثة أيام، ويناقشه مع الأسرة، مما يعزز مهاراته اللغوية والفكرية.
- 4. تقليل وقت الشاشات:
الابتعاد عن الإفراط في ألعاب الفيديو، والتي تعزل الطفل اجتماعيًا وتؤثر سلبًا على قدراته المعرفية.
- 5. التوازن في استخدام الأجهزة:
لا يُمنع الهاتف أو الترفيه الرقمي، لكن يجب أن تكون أوقات الأنشطة التفاعلية والجماعية هي الأغلب.
أنشطة صيفية مقترحة للوقاية من فقدان التعلم:
- التدوين اليومي: كتابة خواطر بسيطة عن الحياة اليومية، مما ينمّي التعبير الكتابي.
- القراءة الحرة: تخصيص 15 دقيقة يوميًا لقراءة ممتعة ومحببة للطفل.
- تعلم مهارة جديدة: مثل لغة أجنبية، آلة موسيقية، البرمجة، أو الرسم.
- أعمال يدوية: كصناعة الإكسسوارات أو العمل بالفنون والحرف.
- رياضات جماعية: تنشط الذهن والجسم، وتحافظ على تواصل الطالب الاجتماعي.
- زيارات ميدانية: مثل المتاحف أو الأماكن التاريخية لتعزيز الفهم الثقافي والمعرفي.
وإذا كان كل ما سبق يُفترض في وضع تعليمي طبيعي، فإن واقع التعليم في السودان، في ظل الحرب الطاحنة، يجعل من التعليم العام والعالي ضربًا من “الترف الوطني”، بل رفاهية لا يحظى بها إلا القليل، الأمر الذي يضاعف مسؤولية الأسر والمجتمعات المحلية في المحافظة على ما تبقى من جذوة التعلم ووهج المعرفة.
Leave a Reply