
بقلم: أ. ماجد الغوث – أ. طارق أبو عكرمة
المقدمة: (التاريخ لا يُكتب مرة واحدة، بل يُروى عبر حوليات… تعيد تشكيل الزمن في ضوء الذاكرة). هذا القول المختزل يلخّص أحد أعمق التوترات في علاقة الإنسان بالزمن: هل نحن كائنات لحظية، أم أن هويتنا تتشكّل في دوائر تتكرر عبر اللغة والذكرى والتأريخ؟ ليست (الحولية) مصطلحًا جامدًا؛ بل هي ترميز ثقافي عميق يتجلى في الشعر، وفي السرد الصوفي، وفي أنماط التوثيق التاريخي، وفي احتفالات الزمن الدائري. ظهرت الحوليات بهذا الاسم منذ العصر الجاهلي، حيث كان الشاعر ينظّم القصيدة في شهر، ويُهذبها في سنةٍ، فكانت قصائده تسمي الحوليات أو المُعلقات وتُعرف أيضاً بالمُذهبات والسُّمُوط والجاهليات والسّبع أو العشر الطّوال، وهي من أشهر ما كتب العرب وسُميت مُعلّقات. من هنا تنبع أهمية تحليل هذا المفهوم، لا كظاهرة لغوية أو تاريخية فحسب، بل كبنية ثقافية تحمل في طياتها تصوّرات أمة عن ماضيها، وعن الطريقة التي ترى بها ذاتها في الزمن.
اولاً: الحولية: من الشعر إلى التأريخ:
ظهر مصطلح (الحولية) أولًا في فضاء الشعر العربي، تحديدًا فيما عُرف بـ(الحوليات) الشعرية مثل معلّقات زهير بن أبي سلمى، التي كان ينظمها في شهر ويُنقّحها خلال سنة، وهو ما منحه معاصروه مكانة متقدّمة بين شعراء عصره. حولية الشعر هنا ليست فقط تأمّلًا لغويًا في المعنى، بل هي استبطانٌ زمني لولادة النص وتكرار معناه في وجدان المجتمع. وقد تطوّر المفهوم لاحقًا ليتخذ شكلًا صوفيًا دينيًا كما في (الحوليات) السودانية، ثم اتخذ طابعًا تأريخيًا دقيقًا في الحضارة الإسلامية، حيث قام المؤرخون المسلمون بوضع سجلات زمنية للأحداث وفق ترتيب حولي دقيق، قال التبيريزي، أنه أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، وإنما أُختلف في تقديم أحد الثلاثة على صاحبيه، والآخران هما أمرؤ القيس والنابغة الذبياني. ثم ظهرت الحوليات في كتابة التأريخ، بمسمي الحوليات أو التاريخ الحولي، وهي مؤلفات تاريخية لتسجيل الوقائع والأحداث بترتيب زمني دقيق حسب السندات وهي منهج ابتكره مؤرخو الإسلام، بدءًا من الهيثم بن عدي، ومحمد بن عمر الواقدي، وصولًا إلى المسعودي والطبري.
والحوليات تشير ايضاً إلى نباتات حولية، وهي نباتات تنمو وتزْهر خلال موسم نمو وأحد وتتجدد زراعتها سنوياً. وقد سودّن المتصوفة في السودان مصطلح الحولية بطابع ومعني ديني ولوّن بظلال وصور جمالية مستندة إلى علوم ومعارف الباطن، فأصبحت مناسبة سنوية إحتفالاً بمشائخهم، إعتقادا راسخاً بأن الفتح الرباني وكشف الغطاء عن الروح ومعاينة الصور البرزخية تتم لحظة الإنتقال من عالم الأشباح والمادة وهي لحظة الوفاة، فأصبح يقينياً لديهم انها لحظات تخلد كل عام بطقوس دينية مُبهجة.
ظهرت – مدرسة الحوليات حديثا – وإنتعشت في فترة مابين الحربين العالميتين (١٩١٨ — ١٩٤٥) في ظل مناخ دولي مُعقّد إتسم بتفاقم الأزمة الإقتصادية التي ضربت الدول الرأسمالية العام (١٩٢٩) وما اعقبه من إنعكاسات على مختلف الجوانب الإجتماعية والأخلاقية والسلوكية.
تتألف مدرسة الحوليات من مجموعة من المؤرخين المرتبطين بنمط من التاريخ. طورها المؤرخون الفرنسيون في القرن العشرين لتأكيد التاريخ الإجتماعي طويل الأمد، وسُميت باسم مجلتها العلمية – حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي – التي لاتزال المصدر الرئيسي للمنح الدراسية إلى جانب العديد من الكتب والدراسات. كانت المدرسة ذات تأثير كبير في وضع جداول أعمال للتاريخ في فرنسا والعديد من البُلدان الأخرى.
ومع ذلك، يظل التداخل بين هذه الدلالات مربكًا أحيانًا؛ إذ تُستخدم (الحولية) في الشعر والتاريخ والتصوف، لكن دون تمييز صارم بين وظيفتها السردية، وجذرها الزمني، وسياقها التأويلي.
ثانياً: مدرسة الحوليات الفرنسية: من التاريخ الحدثي إلى الزمن الطويل:
شهد القرن العشرون ولادة مدرسة جديدة في علم التاريخ عُرفت بـ (مدرسة الحوليات) (Annales) في فرنسا، عبر مجلة أُسست عام (1929) على يد مارك بلوك ولوسيان فيفر. هدفت هذه المدرسة إلى تجاوز النموذج الكلاسيكي القائم على الحدث السياسي، باتجاه تحليل الزمن الطويل والبُنى العميقة التي تشكل المجتمع: الاقتصاد، الذهنيات، الثقافة اليومية، اللغة، إلخ.
الفكرة التي تقوم عليها مدرسة الحوليات الفرنسية هي ترسيخ فكرة التاريخ الجديد، وقد تبلور هذا التوجه من خلال ما نشره روادها من مقالات في مجلة – حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي – التي أحدثت أفكارها قطيعة مع مفهوم التاريخ الكلاسيكي الذي تبنته المدرسية الوضعية، وقد لاقت أفكار هذه المدرسة رواجاً كبيراً من مؤسسها الفرنسي مارك بلوك لوسيان فيبر عام (١٩٢٠).
يعدّ فيرناند بروديل من أبرز رموز هذه المدرسة، خاصة في كتابه الشهير (البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي في زمن فيليب الثاني)، حيث قسّم الزمن إلى ثلاث طبقات: زمن الأحداث، زمن البُنى، وزمن الذهنيات. وهنا يظهر الفرق الجوهري بين (التاريخ الحدثي)، الذي يركّز على الفعل السياسي، و(التاريخ البنيوي)، الذي يرى في الزمن بنية تمتد لعقود وقرون.
وقد تأثرت كثير من المدارس التاريخية حول العالم بهذه الرؤية، خاصة في إفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث تتقاطع ذهنية الزمن الطويل مع الثقافات الشفهية والتاريخ المجتمعي المحلي.
ثالثاً: الحوليات في السودان: بين الشفاهة والمخطوط:
تتّسم تجربة الحوليات في السودان بخصوصية ثقافية مزدوجة: فمن جهة، هناك التراث الشفهي الغني الذي يتجلّى في الملاحم الشعبية، والسِيَر القبلية، والمجالس الصوفية، ومن جهة أخرى، توجد حوليات مكتوبة مثل وثائق المهدية، سجلات التجار الأقباط، وحوليات تحتمس الثالث. غير أن أغلب هذه المواد ظلّ حبيس المخطوطات أو الروايات الشفهية، دون أن يُدمج في مشروع تأريخي وطني واضح.
تشمل سجلات تاريخية مكتوبة توثق أحداثاً مهمة على مرّ العصور، يمكن أن تكون هذه السجلات عبارة عن نقوش على جدران المعابد أو وثائق مكتوبة بخط اليد أو حتى تسجيلات شفهية، وتلعب الحوليات دوراً حيوياً في فهم تاريخ السودان وتسليط الضوء على جوانب مختلفة من الحياة الإجتماعية والسياسية والدينية.
ويكمن التحدي في أن هذا التاريخ الموزّع بين الشفوي والمكتوب، بين الرسمي والشعبي، يحتاج إلى إعادة قراءته ضمن مقاربة نقدية، تدمج الأدوات الأنثروبولوجية، والفكر التاريخي البنيوي، مع استحضار الذاكرة الجماعية بوصفها سجلًا غير رسمي لكنه أصيل.
تكمن أهمية الحوليات في السودان، في الآتي:
1. فهم التاريخ السوداني في الازمنة البعيدة بقراءة بُنيات الحياة السائدة وقتها في الجوانب العسكرية والاجتماعية والدينية، وذلك، بعد تفكيك بُنية النصوص الموضوعة قيد النظر والتحليل، والخروج برؤية واضحة.
2. توثيق الأحداث التي مرت على المجتمع السوداني منذ فترة نشؤه وتكونه للأجيال الآتية.
3. الحفاظ على التراث السوداني بتنوعه المادي والمعنوي.
4. فهم التغيرات الإجتماعية، سلبا وإيجابا. ومدي انعكاساتها على الفرد السوداني ومحيطه الإجتماعي صعوداً وهبوطاً.
من أمثلة الحوليات في السودان:
1. حوليات تحتمس الثالث.
2. سجلات الممالك المسيحية
3. وثائق المهدية.
4. سجلات التجار الأقباط.
رابعاً: الزمن البرزخي: الحولية الصوفية كبوابة لدوام المعنى:
في المخيال الصوفي السوداني، لا تُفهم الحولية بوصفها احتفالًا سنويًا بذكرى رحيل الشيخ فحسب، بل كإعادة تمثيل رمزي للحظة العبور من الزمان الفاني إلى المعنى الباقي. الزمن في هذه الرؤية لا يسير خطيًّا كما في التأريخ الوضعي، بل يدور في حلقات، تتكرّر فيها التجليات وتتعالى فيها التجارب. الحولية – بهذا المعنى – ليست تذكارًا للموت، بل استدعاء حيّ للحضور البرزخي للشيخ، في نقطة زمنية تُفتح فيها أبواب الباطن كما تُفتح أبواب المقام.
هذا التمثيل الزمني الخاص ينسجم مع ما يسميه بعض الباحثين بـ (الزمن النوعي) في مقابل (الزمن العددي)، حيث لا تُقاس الحولية بعدد السنوات، بل بمدى انكشاف البصيرة، وتجلي السّر، وارتقاء المريد في سلّم المقامات. ولذلك، فإن الحولية تُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والوقت، حيث تُصبح الذكرى زمنًا حاضرًا، والحضور مشاركة روحية تتجاوز الانقطاع المادي بين الحياة والموت.
وهنا، يتبدى الفارق بين الحولية كتأريخ وحولية كطقس؛ فالأولى تؤرّخ للزمن، والثانية تُذيب الزمن في التجربة. وهذا البُعد الباطني للحولية الصوفية السودانية يستحق قراءة تأويلية أعمق، بوصفه تعبيرًا فنيًا وروحيًا عن فلسفة الزمن غير الخطي في الثقافة الإسلامية المحلية.
خامساً: الحوليات الأوروبية والحوليات الإفريقية: تقاطع أم افتراق؟:
إذا كانت مدرسة الحوليات الفرنسية قد بنت تاريخها على تحليل البنى العميقة والزمن الاجتماعي، فإن التأريخ الإفريقي الشفهي – خاصة في السودان وغرب إفريقيا – يركّز على سرديات الكرامة والبطولة والمقدّس. وهو ما يجعل الحولية الإفريقية – بحسب الباحث مالك سيك – ليست مجرد توثيق زمني، بل (طقس رمزي لحفظ الذاكرة الجماعية)، يتم فيه إعادة بناء الهوية لا فقط استرجاع الحدث.
وهذا التقاطع بين (الحولية الغربية البنيوية) و(الحولية الإفريقية الرمزية) يمكن أن يكون منطلقًا لصياغة مشروع تأريخي سوداني جديد، يدمج بين المدوّنات والمرويات، ويجعل من الذاكرة الشعبية مكوّنًا رئيسًا في إعادة كتابة التاريخ.
سادساً: الحوليات السودانية المعاصرة: هل نملك سجلًا للحاضر؟:
رغم وجود محاولات حديثة لتوثيق التاريخ السوداني، خاصة في فترات الثورة وما بعدها، إلا أن غياب مشروع (حوليّات معاصرة) يجعل من كثير من الأحداث عرضة للضياع أو التشويه. وفي ظل توزّع السودان بين سرديات متعددة (الهوية، الدين، القومية، الجهوية)، تزداد الحاجة إلى مشروع أكاديمي وفكري يجمع هذه الأنساق في بنية سردية واحدة، تعترف بالاختلاف وتحتفي بالتعدد، دون أن تسقط في تمجيد الماضي أو تصفية الحاضر.
هناك تحديات في دراسة الحوليات السودانية، منها:
1. ندرة المصادر، فهناك حاجة لمزيد من الدراسات حول الحوليات السودانية بغرض كشف المطمور من حيوات أسلافنا في مجالات نشاطاتهم المختلفة والمتعددة.
2. صعوبة الوصول إلى المصادر التي توجد في أماكن بعيدة، او التي تُسيج بقوانيين الآخرين، مثل، تقييد فك الوثيقة أو المصدر بعد سنوات عدة، وهنا، قد تنتفي الحاجة إلى المصدر او قد تفقد المادة التي يتضمنها المصدر قيمتها التأريخية والمعرفية.
3. الحاجة إلى الترجمة، خاصة عندما تكون اللغة قديمة وتحتاج إلى مراكز متخصصة ومخصصة.
سابعاً: حوليات السودان الرقمية:
في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها السودان خلال العقدين الأخيرين – من الانتفاضات الشعبية، إلى الحروب، إلى الانتقال السياسي الهش – تبرز الحاجة الملحّة إلى مشروع توثيقي جديد يعيد تنظيم سردية السودان، لا بوصفها سردية رسمية من أعلى، بل كشبكة حوليات مجتمعية من الأسفل. مشروع (حوليات السودان الرقمية) يمكن أن يُشكّل استجابة لهذا التحدي، من خلال اعتماد التكنولوجيا الرقمية كأداة لتدوين الذاكرة الجمعية، وكسر احتكار الدولة للرواية التاريخية.
المقصود بـ (حوليات رقمية) ليس فقط تحويل الوثائق إلى صيغة رقمية، بل إنتاج أرشيف تفاعلي، مفتوح المصدر، يدمج شهادات الناجين من الحروب، صور الثوار في الميادين، توثيق الأهازيج الشعبية، مدونات الأطباء، خرائط التهجير، وذاكرة الأمهات في المخيمات. هذه الحوليات لا تكتب التاريخ فقط، بل تُقاوم محوه، وتُحصّن الوعي من تشويه السلطة، وتحفظ الحكاية قبل أن تُختطف من جديد.
يمكن لهذا المشروع أن يتأسس على نماذج مثل:
• المنصة السودانية المفتوحة للأرشيف الشعبي.
• وحدات بحثية في الجامعات تُعنى بجمع (التاريخ من القاع).
• تحالفات بين مبرمجين ومؤرخين وفنانين لبناء تطبيقات لحفظ الشهادات المرئية والمسموعة.
في زمن ينهار فيه المركز، ويُعاد فيه تشكيل الهويات، لا يكون الصراع فقط على الحاضر، بل على ذاكرة الماضي. وحين تُغيب الدولة مشروعها التأريخي، لا يبقى سوى المواطن ليكتب نفسه في حوليات زمنه، قبل أن يُنسى.
ثامناً: الحولية وهوية السودان: من الذاكرة إلى الذات الجماعية:
ليست الحولية في الثقافة السودانية مجرد تقنية زمنية لتسجيل الوقائع أو إحياء الذكرى، بل هي بنية ثقافية تتسلل إلى عمق تشكّل الهوية السودانية، فتمنحها بعدًا دوريًّا، تأمليًا، ومتعدد الطبقات. فالسودان، في تاريخه الطويل، لم يُكتب بخط الزمن الخطي فقط، بل خُطّ على إيقاع الحوليات: في الشعر الذي يُنقّح حولًا، في التاريخ الذي يُدوّن عامًا بعد عام، وفي الطقس الصوفي الذي يُعاد سنويًا لاستدعاء المعنى.
في المجتمعات التي شهدت هشاشة في مؤسسات الدولة المركزية، كما هو حال السودان، تصبح الحولية — بشقيها الشعبي والديني — أداة لبناء سردية من القاع، حيث تتشكل الذاكرة الجماعية خارج خطاب الدولة الرسمي. وهكذا، تحلّ الحولية محل (الأرشيف المركزي)، وتصبح سجلًا بديلًا لهوية ظلّت دومًا عرضة للانقسام والاقتلاع.
ففي شمال السودان، كانت المعلقات الشعرية والتقاليد الشفاهية تحمل ذاكرة القبائل والمناطق، تحفظ تاريخ الصراعات، الهجرات، وشرف الأنساب. وفي شرق السودان وغربه، كانت الحوليات المرتبطة بأولياء التصوف لا تُعيد إنتاج الزمن فقط، بل تُعيد تشكيل الانتماء: إلى الأرض، إلى السلسلة الروحية، إلى رموز الجماعة. أما في الجنوب قبل الانفصال، فكانت الذاكرة الحولية تتجسد في الطقوس والاحتفالات المرتبطة بدورة الطبيعة، وتُسجَّل الشفاهة عبر الأغنية والإيقاع.
إن هوية السودان، بهذا المعنى، لا تُختزل في جغرافيا أو لغة أو إثنية، بل تتشكل في (نظام زمني ثقافي) تُعدّ الحولية أحد رموزه الأساسية. إنها تذكير دائم بأن ما يربط السودانيين ليس فقط التراب، بل (الزمن المتكرر)، والذاكرة الجماعية، والقدرة على تحويل الذكرى إلى طقس، والحكاية إلى وعي.
من هنا، يمكن القول إن مشروع كتابة هوية سودانية جامعة، لا يمر فقط عبر إعادة تعريف العروبة أو الإفريقية، ولا عبر اختزالها في المركز أو الأطراف، بل عبر تفكيك الحوليات التي صاغت وعي السودانيين بذاتهم، والاعتراف أن من لا يملك زمناً مشتركاً، لا يملك هوية مشتركة.
الخاتمة: إن التأريخ عبر الحوليات ليس فقط فعل تدوين، بل فعل مقاومة. مقاومة النسيان، مقاومة السلطة الأحادية، مقاومة التلاعب بالزمن. الحولية ليست سردًا للحوادث، بل (أدب زمني)، يُعيد ترتيب الذاكرة بعيون متعددة، وبأقلام ليست بالضرورة سلطوية.
والسؤال الجذري اليوم: هل نمتلك نحن، السودانيين، أدواتنا الكافية لكتابة زمننا؟ أم سنظل ننتظر أن يكتبنا الآخر، الأوروبي أو العربي، في حولياته كما يشاء؟ ربما آن الأوان لتأسيس مشروع (حوليات السودان المعاصر)، ليس فقط لتوثيق الماضي، بل لإعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والزمن، بين الجماعة والذاكرة، بين الوطن والتأريخ.
Leave a Reply