
إعداد /خالد ضياء الدين
بابنوسة مدينة وادعة في ولاية غرب كردفان تبعد عن عاصمة البلاد الخرطوم بنحو 697 كيلومتر، تتميز بكونها واحدة من محطات التقاطع الرئيسية لقطاع السكة حديد السودان وتربط غرب السودان بشرقه وشماله وبها عدد من الورش الخاصة بالسكك الحديدية. ومنها يمتد الخط الحديدي المتجه جنوبًا، حتى مدينة واو في دولة جنوب السودان.
لأهميتها الاقتصادية والجغرافية، وباعتبارها من آخر المعاقل للجيش في المنطقة، استأنفت قوات الدع-م الس-ريع، عملياتها الحربية البرية لإخضاع المدينة لسيطرتها، بعد أن توقفت العمليات العسكرية فيها لعام كامل وهي الآن (حتى لحظة كتابة التقرير)تحت سيطرت الفرقة 22 مشاة، التي تعتبر قاعدة الجيش الأساسية في ولاية غرب كردفان.
قوات الدع-م الس-ريع أعلنت أمس الجمعة عن هجومها عن طريق ثلاثة محاور ولمرتين على الفرقة المحصنة في بابنوسة، وقد نشر جنود الدع-م الس-ريع على مواقع التواصل الاجتماعي صورًا تؤكد تواجدهم داخل المدينة، بينما لم يتم التأكد من فرض سيطرتهم على قيادة الفرقة، التي نشرت تعميمًا في نفس اليوم، أكدت فيه الهجوم من ثلاثة محاور وتصديها له بمن وصفتهم بالأسود الذين يسطرون تاريخًا جديدًا من الصمود.
الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة في تصريح مقتضب قال بالأمس “ستظل بابنوسة صامدة وعصية” بينما أشاد حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي في نفس اليوم بصمود أهالي بابنوسة وذلك في تدوينة باسمه على منصة فيسبوك.
المتابع لخريطة الصراع في إقليم كردفان يلاحظ سيطرة قوات الدع-م الس-ريع على محلية بارا في شمال كردفان ونحو 80% من محلية أم دم وجبرة الشيخ، بينما تفرض سيطرة كاملة على منطقة سودري وفي المقابل يسيطر الجيش على محلية أم روابة وأبو دكنة وشيكان.
وأما في غرب كردفان يسيطر الدع-م الس-ريع على كل المنطقة، مثل الفولة والنهود والخوي، وتظل مدينة بابنوسة هي آخر معاقل الجيش، التي يستميت الآن حتى لاتقع في يد الدع-م الس-ريع، حينها سيعلن وقوع كل منطقة (غرب كردفان)تحت قبضته.
بابنوسة آخر معقل للجيش المحاصر، الذي يأمل قادة الفرقة 22 في وصول تعزيزات عسكرية لفك الحصار من مدينة الأبيض، التي تحدث قيادات الجيش والقوات المتحالفة مرارًا عن متحرك “الصياد” الضخم، الذي خسر أول مواجهاته مع الدع-م الس-ريع في كردفان ضمن الحرب المفتوحة، التي تختلف تمامًا عن حرب المدن المحصنة.
الدع-م الس-ريع يسيطر الآن على جنوب وغرب ووسط وشرق دارفور ويعمل بالتنسيق مع حركة عبد الواحد، ويتحالف مع مليشيات الهادي إدريس والطاهر حجر. ضمن “تحالف تأسيس” لم يتبق له من دارفور غير أجزاء من مدينة الفاشر، التي تتخندق فيها فرقة الجيش وأعداد من المليشيات المتحالفة معها، تلك المدينة، التي تشهد تدوينًا شبه يومي وهجمات مكررة بالمدفعية والمسيرات والمشاه وحصارًا تجاوز العام، تسبب في نزوح السكان حتى أصبحت حاضرة الإقليم خرابًا ودمارً، ا بعد أن عجزت المستشفيات عن تقديم خدماتها وأغلقت المتاجر أبوابها وسدت الأسواق، وانقطع وصول الإعانات والإغاثة.
فرضت قوات الدع-م الس-ريع سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي مع مصر وليبيا، يعد مكسبًا عسكريًا واقتصاديًا ومعنويًا لها، خاصة بعد انسحاب الجيش والمليشيات التابعة للقوات “المشتركة”.
وفي اتجاه متصل غير منفصل، قال عضو تحالف تأسيس رئيس تحالف القوى الشعبية علي جاد الله، مؤكدًا سيطرتهم على منطقة “أم اندرابة” غرب أم درمان، ومحذرًا من أن مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان ليست ببعيدة عن حصار قوات تأسيس المتحالفة أيضًا مع الحركة الشعبية قيادة عبدالعزيز الحلو، وأنهم يخططون لإعلان سيطرتهم على شمال كردفان بالتزامن مع السيطرة على مدينة بابنوسة في غرب الإقليم، كما أشاد بسيطرة قوات الحركة الشعبية على مناطق استراتيحية في جنوب كردفان.
الأحداث المتسارعة والمعارك العنيفة، التي تشهدها دارفور وكردفان وحديث قائد ثاني قوات الدع-م الس-ريع عبدالرحيم دقلو، الذي قال فيه أنهم كانوا يقاتلون في المكان الخطأ، في إشارة للخرطوم وولاية الجزيرة، مقرونًا بمعارك كردفان الأخيرة، تعني عمليًا، اتجاه الحرب ناحية غرب البلاد مايعزز فرضية الرغبة في الانفصال أو إعلان المنطقة منفصلة عن حكومة بورتسودان، خاصة وأن سيطرة قواته باتت أقرب على كل المنطقة الممتدة من المثلث الحدودي مع ليبيا وحتى آخر نقطة في جنوب كردفان.
أمس الجمعة 20 يونيو 2025 حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان “فولكر تورك” من تصاعد الأعمال العدائية في وسط وغرب السودان، الذي يهدد بوقوع مزيد من الكوارث الإنسانية، وأشار إلى أن الأوضاع تمضي نحو الخطر الجسيم والمزيد من الانتهاكات والموت، خصوصًا في ظل الإفلات من العقاب.
الآن تتمدد قوات الدع-م الس-ريع وتحالفها(تأسيس) في مناطق واسعة في غرب وجنوب البلاد، بينما يسيطر الجيش وتحالفه على شمال وشرق ووسط البلاد. وهناك من يتحدث عن احتمال انسحاب الفرقة من بابنوسة وإعلان الولاية خالية من الجيش وبذلك لن يتأخر إعلان تشكيل “حكومة تأسيس” الموازية لحكومة بورتسودان، التي تأمل في عودة وزاراتها للعاصمة الخرطوم، التي تعاني من انهيار البنية التحتية بسبب الحرب.
عسكريون ومحللون سياسيون يؤكدون حدوث انشقاق في تحالف حكومة بورتسودان بسبب خلافات حول تقسيم الوزارات مع مجموعة اتفاق جوبا، خاصة وزارة المالية، ويأملون أن لا يكون انسحاب مايسمى قوات المشتركة من منطقة المثلث مقصود به الضغط على قيادة الجيش للقبول بجبريل إبراهيم وزيرًا للمالية مهما امتدت الفترات الانتقالية، أيضًا يتحدث البعض من احتمال تأخير متحرك الصياد عن (فزع) بابنوسة مرده لهذا الصراع الخفي، الذي يمكن أن يستغله الدع-م الس-ريع لإعلان دارفور وكردفان خالصة لوجه دولته القادمة، التي يريد تأسيسها كنقطة انطلاق نحو السيطرة الكاملة على الولاية الشمالية وولاية نهر النيل أو اجتياحها باعتبارها مركزًا لتواجد(فلول الكيزان)، الذين قال الفريق أول “حميدتي” أنهم سيدخلونها بقوائم فيها أسماء الكيزان لاعتقالهم وتقديمهم لمحاكمات.
ومابين التهديد باجتياح الشمالية واستمرار قصف المنشآت الحيوية فيها والنظر إليها كهدف قادم تظل كردفان من بعد إقليم دارفور عمليًا هي المسرح لأعنف المواجهات العسكرية منذ بداية الحرب في 15 أبريل.
Leave a Reply