رؤية صمود بين الواقعية السياسية والطوباوية الانتقالية

بقلم: أمجد أحمد السيد

في وقتٍ يشتد فيه أوار الحرب في السودان وتتفاقم معاناة المدنيين وسط صمتٍ إقليمي ودولي متواطئ أو عاجز، خرج تحالف “صمود” برؤية جديدة لإنهاء الحرب وإعادة تأسيس الدولة، واضعًا تصورًا يمتد لعشر سنوات، نصفها تحت حكم مدني تأسيسي غير منتخب، والنصف الآخر بحكومة منتخبة ملتزمة بمهمة إعادة البناء الوطني.

وعلى الرغم من أهمية الطرح كمحاولة للخروج من النفق المظلم، فإن هذه الرؤية تستدعي قراءة نقدية متأنية تتجاوز الإعجاب بالنيات، وتختبر الواقعية السياسية والقدرة على التنفيذ في ظل ميزان القوى الحالي.

أولًا: الرهان على قبول الطرفين بالحقيقة

تُشدد الرؤية على ضرورة التواصل المباشر مع الجيش والدعم السريع ودعوتهما للاعتراف بأن الحرب لا تحل أزمات السودان. وهذا المبدأ في ظاهره عقلاني، لكنه يغفل حقيقة أن الطرفين لا يخوضان الحرب بدافع الغفلة أو الوهم، بل يصارعان من أجل البقاء السياسي والاقتصادي، ولأجل السيطرة على مفاصل الدولة والثروة. إن دعوتهما لقبول حقيقة بديهية تبدو أقرب إلى التمني منها إلى قراءة موضوعية لدوافع الحرب ومآلاتها.

ثانيًا: مرحلة انتقالية طويلة بلا ضمانات

تقترح الرؤية سلطة مدنية لمدة خمس سنوات تأسيسية، تليها خمس سنوات أخرى لحكومة منتخبة. هذا الطرح يصطدم بتجارب الانتقالات السابقة في السودان التي أثبتت أن طول الفترة الانتقالية لا يعني بالضرورة إنجاز مهام التأسيس، بل العكس، فقد تُفتح أبواب جديدة للانقسامات والتمكين والشللية السياسية. كما أن تحديد فترتين طويلتين دون تحديد آليات الرقابة أو التوافق الوطني يثير تساؤلات حول من يمتلك الشرعية خلال الفترة التأسيسية ومن يمنح التفويض.

ثالثًا: الوحدة العسكرية.. حلم أم وهم؟

تُعد الدعوة لإعادة بناء منظومة عسكرية موحدة ومهنية من أكثر ما يثير الجدل في الطرح. فواقع السودان اليوم يشهد تفتتًا عسكريًا واسعًا وتعددًا في مراكز القوى المسلحة من جيش ودعم سريع وحركات مسلحة وقوات محلية. ولا يبدو أن أيًا من هذه الأطراف على استعداد للتنازل طوعًا عن مكاسبه العسكرية أو الأمنية دون صفقة سياسية كبرى. كما أن تجارب الدمج السابقة (اتفاقيات السلام في دارفور وغيرها) أظهرت هشاشة هذا المشروع ما لم تُربط بعملية سياسية شاملة وملزمة.

رابعًا: غياب أدوات التنفيذ

لا تطرح الرؤية خارطة طريق واضحة لتنفيذ هذه الأهداف الطموحة. من سيتولى التفاوض مع الطرفين؟ ومن يضمن احترام مخرجات الحوار؟ ما هو موقع الفاعلين الإقليميين والدوليين في هذا المشروع؟ وما هي العلاقة مع القوى السياسية الأخرى ومجموعات المقاومة المدنية؟ إن غياب البُعد التنفيذي يحوّل الرؤية إلى وثيقة تمنيات أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ.

خامسًا: مأزق تمثيل الإرادة الشعبية

يفترض “صمود” أن الحل يكمن في تأسيس سلطة مدنية تتولى المهمة لسنوات دون توضيح كيف ستتمثل فيها الإرادة الشعبية، وما مدى شمولها للثوار، النازحين، الهامش، النساء واللاجئين، وهي الفئات الأكثر تضررًا من الحرب. إن تجاوز قوى الثورة الفعلية أو القفز على الحاجة إلى تفويض شعبي يعيد إنتاج المأزق ذاته الذي فجر الأزمات الانتقالية السابقة.

رؤية تحالف “صمود” تمثل خطوة جادة نحو فتح النقاش الوطني حول البدائل المدنية للحرب، لكنها تعاني من مشكلات بنيوية أبرزها غلبة الطابع الإنشائي على العملي، وتجاهل تعقيدات الواقع العسكري والسياسي، وغياب ضمانات التنفيذ والتمثيل الشعبي. ولعل التحدي الأكبر الذي يواجه هذا النوع من الطروحات هو القدرة على بناء كتلة اجتماعية سياسية واسعة تتبناها وتضغط في سبيلها، وإلا فإنها ستظل حبيسة منصات التواصل الاجتماعي، في وقت تتوسع فيه ساحات القتال وتتقلص مساحات الأمل.

Be the first to comment

Leave a Reply

Your email address will not be published.