
بقلم: أمجد أحمد السيد
في زمن تفيض فيه البلاد بالحطام والدمار، خرج علينا الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء المعيّن من قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بخطاب رسمي حمل عنوانًا رومانسيًا لافتًا: “حكومة الأمل”.
خطاب وديع في لغته، ناعم في شكله، لكنه بدا بالنسبة لكثير من السودانيين، وخاصة أولئك الذين يقيمون في خيام اللجوء والمنافي، بمثابة قصيدة وردية في دفتر محترق. ففي بلد تحرقه الحرب من أطرافه حتى قلبه، وتفتك به المجاعة والنزوح والانهيار، يحق للناس أن يتساءلوا: أي أمل؟ وأي حكومة؟
رافق خطاب الدكتور كامل إدريس حملة علاقات عامة لافتة توجت بمشهد توزيع الزهور على ركاب الطائرة التي أقلته إلى بورتسودان، ومصافحة جماعية للمارة على كورنيش المدينة، وكأن رئيس الوزراء الجديد اختار الانتماء لمدرسة الدبلوماسية العاطفية لا السياسية الواقعية. لكن الزهور لا تكفي، والابتسامات لا تمحو دموع النازحين، ولا تُعيد التيار الكهربائي لمستشفيات نيالا، أو الطعام لأطفال الفاشر.
أن يُطلق على حكومة بلا صلاحيات، لا تملك ملف الحرب ولا السلام، اسم “حكومة الأمل” في ظل حرب أهلية هي الأعنف في تاريخ السودان الحديث، يبدو نوعًا من التمويه السياسي أو التجميل البلاغي للواقع المأساوي. فالأمل الحقيقي، كما قال كثير من المواطنين بمرارة، يبدأ من وقف إطلاق النار وعودة النازحين ومحاسبة الفاسدين، لا من وراء الميكروفونات المزينة بأحلام غير قابلة للتنفيذ.
الدكتور إدريس يتحدث بلغة العارف العاطفي، لكن مشكلتنا في السودان ليست غياب الكلمات، بل غياب الفعل السياسي الحقيقي، وغياب الإرادة الجادة لوقف الحرب التي أنهكت الدولة والمجتمع على حد سواء.
من الواضح أن الدكتور إدريس، رغم تاريخه الأكاديمي والدولي المعروف، قد تم تعيينه في موقع بلا سلطة حقيقية ضمن بنية حكم لا تزال مرهونة برغبات العسكر والواقع المفروض بقوة السلاح. إذ أن ملف الحرب والسلام، العلاقات الخارجية، وحتى إدارة الموارد ليست بيده، بل في قبضة من صنعوا الحرب وأشعلوها وأوغلوا في تحويل السودان إلى ساحة صراع جيوسياسي.
وبالتالي، فإن حديثه عن حكومة تعمل من أجل كل السودانيين يبدو أجوفًا في غياب سياسات تعيد اللحمة الوطنية وتوقف التهجير القسري، وتعترف بأن أكبر أزمة تواجه البلاد اليوم هي بقاء الحرب واستمرار معسكرات الدم والنار.
“الأمل” كلمة عظيمة في قلوب الناس، لكنها تتحول إلى سخرية جارحة حين تُستخدم لتسمية حكومة لا تملك إلا البيانات الصحفية، في وقت تنهار فيه المدن واحدة تلو الأخرى. لم يشعر أهل ود مدني بالأمل، ولا وجد أهل الأبيض ما يربطهم بهذه الحكومة، ولا أحس النازحون في تشاد ومصر بشيء تغير منذ تسمية إدريس رئيسًا للوزراء.
بل حتى من قابلوه في بورتسودان تساءلوا: “من هذا الرجل؟ هل هو إداري في حي العرب؟ أم مسؤول حكومي حقيقي؟” في بلد تاهت فيه السلطة بين الواقعية والرمزية وبين المراسيم والأوامر السيادية.
خطاب الدكتور كامل إدريس الأخير بدا أقرب إلى خطبة تخرج طلابية منه إلى بيان حكومي في زمن الحرب؛ خطاب يخلو من خطة حقيقية، ومن موقف صريح من الحرب، ومن نقد جاد لمن يقودون البلد إلى هاوية التشظي.
إن السودان اليوم لا يحتاج إلى كلمات الأمل، بل إلى قرارات وقف الحرب وإرادة سياسية لإنقاذ ما تبقى من الدولة والمجتمع. دون ذلك، فإن “حكومة الأمل” لن تكون سوى عنوان جديد في كتاب الأوهام الذي نُكبنا بقراءته منذ سنوات.
Leave a Reply